الحرية تعانقهم أخيرًا.. قصص الأسرى الفلسطينيين تكتب فصولًا جديدة من الكرامة
بعد سنوات طويلة خلف قضبان الاحتلال، خرج عدد من الأسرى الفلسطينيين إلى هواء الحرية الذي حُرموا منه لسنوات، حاملين في ملامحهم حكايات الصبر والتحدي، ووجع الغياب الذي لم يفلح الزمن في محوه.
مشاهد استقبالهم في المدن والمخيمات الفلسطينية كانت لوحةً وطنيةً وإنسانيةً خالصة، امتزجت فيها دموع الفرح بالألم، وارتفعت فيها رايات الفخر بصمود من لم تُكسر إرادتهم رغم القيد والعزلة.
قصص الأسرى الفلسطينيين تكتب فصولًا جديدة
فكل أسير من المفرج عنهم يروي فصلاً من قصة نضال شعبٍ لا يزال متمسكًا بحقه في الحياة والحرية والكرامة، ليُثبت أن السجن لم يكن نهاية الحكاية، بل بداية فصلٍ جديد من النضال الإنساني والوطني.
كثير من الأسرى المفرج عنهم تحدّثوا عن سنوات القهر والتحدي داخل الزنازين، وكيف تحوّلت الزنزانة إلى مساحة للتعلم والتثقيف وبناء الوعي الوطني، وكان من ضمنهم الأسير المحرر محمود العارضة، أحد رموز الحركة الأسيرة، قال عقب الإفراج عنه: كنا نعيش بالكرامة والمعنى في السجن لم نمُت، كنا نعيش بالكرامة والمعنى. السجن مدرسةٌ للصبر، وها نحن نخرج لنكمل الطريق من أجل حرية شعبنا.”
كلماته هذه لاقت صدى واسعًا في الشارع الفلسطيني، الذي اعتبر أن الحرية ليست منحة، بل استحقاق ناله من دفع الثمن.
حيث يعد تحرّر محمود العارضة من سجون الاحتلال الإسرائيلي حدثًا مفصليًّا في مسيرة أسرى “نفق الحرية”؛ بعدما ظُلِم طويلاً، وتحوّلت حياته إلى معتقل داخل معتقل، قبل أن ينجلي الليل الطويل للحظةٍ من نور الحرية.
الاعتقال الأول لـ محمود العارضة
تم اعتقاله لأول مرة عام 1992 حين كان طالبًا في الصف الأول ثانوي، حيث حكمت عليه محكمة الاحتلال بالسجن لمدة أربع سنوات، أمضى في السجن 41 شهرًا، وأفرج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى عقب اتفاق أوسلو عام 1993، وشكلت تجربة الاعتقال الأولى نقطة تحول مهمة في وعيه بالقضية الفلسطينية، إذ استمر في دراسة الثانوية العامة داخل السجن واجتازها بنجاح، وفقا لوكالة معًا الإخبارية.
الاعتقال الثاني لـ محمود العارضة
وأما الاعتقال الثاني، فكان الأطول والأصعب، حيث حكم عليه بالسجن مدى الحياة بعد اعتقاله في 21 سبتمبر 1996 بتهمة الانتماء إلى الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي والمشاركة في عمليات مقاومة أسفرت عن مقتل جنود إسرائيليين، واستمر اعتقاله أكثر من 25 عامًا حتى تمكن من الهروب يوم 6 سبتمبر 2021، في عملية شهيرة من سجن جلبوع، مع محمد قاسم العارضة، وأيهم نايف كممجي، ويعقوب محمود قادري، وزكريا الزبيدي، ومناضل انفيعات.
في مخيم جنين، احتضن الحاج “أبو محمد” ابنه الأسير المحرر بعد غياب دام 18 عامًا.
لم يتحدث كثيرًا، بل اكتفى بدموعه التي سالت على كتف ابنه وهو يقول: "كبرتَ في السجن يا بني، لكنك خرجت أكثر قوة من كل السجانين".
تلك اللحظة لخصت حكاية آلاف العائلات الفلسطينية التي تنتظر أبناءها، ما بين خوفٍ لا يهدأ وأملٍ لا ينطفئ.
أمضى 24 عاماً من حكمه بالسجن المؤبد
أفرج الاحتلال الإسرائيلي الإثنين 13 أكتوبر 2025 عن الأسير الفلسطيني عمر محمود بسيس، من مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، ضمن صفقة تبادل للأسرى، بعد أن أمضى 24 عاماً من حكمه بالسجن المؤبد في السجون الإسرائيلية.
الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين
كما يعد الإفراج عن أسرى المؤبدات يحمل بعدًا رمزيًا مهمًا، إذ يمثل الاعتراف بمعاناة هؤلاء الأسرى الطويلة ويعيد الاعتبار للقيم الإنسانية في مواجهة الصراع الممتد، كما يبعث برسالة سياسية مفادها أن التعاون بين الأطراف الفلسطينية والإسرائيلية والدولية ضروري لإنجاح أي صفقة، حتى لو كانت مؤقتة، وأن إدارة هذا الملف تتطلب توازنًا دقيقًا بين الحقوق الإنسانية والسياسية.
مشهد مؤثر بين عمر بسيس وزوجته
وقد جمعت لحظة مؤثرة الأسير الفلسطيني عمر بسيس بزوجته بعد الإفراج عنه ضمن الأسرى الفلسطينيين بصفقة التبادل، وخلال المشهد المؤثر تظهر زوجة الأسير الفلسطيني عمر بسيس وهي تنهار بالبكاء أثناء عناقه بينما يظهر الأول وهو يبتسم لتلك المشاعر المؤثرة ويضع يده فوق رأسها لدعمها على الرغم من الضعف الذي بدا على شكل ملامحه وجسده.
عائلته على قيد الحياة
كما وثقت مقاطع الفيديو المتداولة لحظات مؤثرة لعدد من الأسرى المحررين، من بينهم أسير فلسطيني أوهمه الاحتلال بأن عائلته قتلت، ليفاجأ عند خروجه بأن زوجته وأطفاله ما زالوا على قيد الحياة، في مشهد امتزجت فيه الصدمة بالدموع والذهول.
وتحدث الأسير، وهو يرتجف من شدة التأثر، عن أهوال التعذيب داخل السجون الإسرائيلية، مؤكدا أن السجانين مارسوا بحقهم كل أشكال الإهانة الجسدية والنفسية، وقال بصوت متهدرج: "هددونا بأولادنا، قالوا قتلناهم، ولما طلعت ما صدقت. غزة مش هي غزة، حسيت إني في مشهد من يوم القيامة، وين الناس؟ وين العالم؟".
