من ساحات الصراع إلى مسارات السلام.. الشرق الأوسط يعيد اكتشاف نفسه من جديد

احتضنت مدينة شرم الشيخ خلال الساعات الماضية قمة السلام، والتي تعد لحظة فارقة في منطقة الشرق الأوسط والتي تعيد اكتشاف نفسها من جديد، وهناك تحول كبير للمنطثة من منطقة أزمات وصراعات دائمة، بل كمساحة جديدة تبحث عن السلام، التنمية، والتوازن الإقليمي.
الشرق الأوسط
فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط على مدار السنوات الماضية العديد من التوترات السياسية والحروب بالوكالة، حتى جاءت قمة شرم الشيخ للسلام لتفتح صفحة مختلفة، تُعيد ترتيب أولويات الإقليم وتضعه أمام معادلة جديدة: "البقاء ليس في الصراع، بل في البناء".
من منطق القوة إلى منطق الشراكة.. قمة شرم الشيخ للسلام
قمة شرم الشيخ التي جمعت قادة من أكثر من 20 دولة، عربية وغربية، كشفت عن تحول جذري في الخطاب السياسي؛ حيث لم تعد الشعارات العسكرية هي التي تهيمن على الطاولة، بل لغة الاقتصاد والتكامل الإقليمي.
مصر لعبت الدور المحوري في صياغة هذه الرؤية الجديدة، مؤكدة على أن السلام العادل والشامل هو السبيل الوحيد لضمان الاستقرار الدائم، وأن التنمية المشتركة لدول الإقليم تمثل "الرد العملي على الإرهاب والتطرف".
إعادة تعريف أدوار القوى الإقليمية
تشهد المنطقة اليوم إعادة تموضع واضحة للقوى الكبرى، فبينما تسعى مصر والسعودية والإمارات إلى ترسيخ نموذج الاستقرار والتنمية، تتحرك تركيا وقطر نحو أدوار أكثر دبلوماسية بعد أعوام من الانخراط في الملفات الساخنة.
إيران وترتيب أوراقها من جديد
أما إيران، فتبدو في مرحلة مراجعة لمعادلاتها الإقليمية تحت ضغط التوازنات الدولية الجديدة، في حين تعمل إسرائيل على اختبار مدى قدرتها على الاندماج في محيطٍ عربي متغير، بعد اتفاقات التطبيع ومحادثات السلام الأخيرة.
غزة نقطة الانطلاق
رغم استمرار التعقيدات السياسية، فإن الهدنة التي خرجت من قمة شرم الشيخ مثّلت بارقة أمل.
البدء في إعادة إعمار غزة بتمويل عربي ودولي، ومنح شركات المقاولات ومواد البناء المصرية عقودًا ضخمة، يعكس إدراكًا جماعيًا بأن الحلول الإنسانية والتنموية هي البوابة الحقيقية لأي سلام مستدام.
كما أكدت مصر في كلمتها أن إعمار غزة ليس مشروعًا اقتصاديًا فقط، بل التزامًا سياسيًا وأخلاقيًا تجاه الشعب الفلسطيني.
التحولات الاقتصادية.. بوصلة المستقبل
اقتصاديًا، تتجه دول الشرق الأوسط إلى تكامل اقتصادي عابر للحدود، يقوم على الطاقة المتجددة، الربط الكهربائي، الأمن الغذائي، والمشروعات اللوجستية الكبرى.
مشروعات مثل الربط الكهربائي بين مصر والسعودية، وممر الهند–الشرق الأوسط–أوروبا، تعكس رغبة دول المنطقة في الانتقال من الصراع إلى التنمية.
التحول الأبرز، خلال هذه الآونة هو أن الشرق الأوسط لم يعد ينتظر الحلول من الخارج، بل يصنعها بنفسه ويعيد اكتشاف نفسه من جديد.
تحديات لا تزال قائمة
ورغم هذا الزخم الإيجابي، لا تزال التحديات حاضرة بقوة:
غياب حل نهائي وعادل للقضية الفلسطينية.
التوترات في البحر الأحمر واليمن والسودان.
الحاجة إلى ضبط العلاقات الإقليمية بما يمنع عودة دوامات الصراع.
لكن المؤشرات العامة توحي بأن المنطقة تتجه نحو عصر جديد من الواقعية السياسية، حيث يُستبدل منطق الغلبة بـ منطق المصالح المشتركة.
تشكيل الشرق الأوسط الجديد
الشرق الأوسط اليوم ليس كما كان بالأمس، فمن رحم الحروب خرجت قناعة جماعية بأن الاستقرار لا يولد من فوهة البندقية، بل من مشاريع التنمية والتعليم والتعاون الاقتصادي.
القمة الأخيرة في شرم الشيخ لم تكن مجرد حدث دبلوماسي، بل إشارة رمزية إلى أن المنطقة تتغير — وأن العالم بدأ ينظر إليها كمنطقة "حلول" بعد أن كانت "منطقة أزمات".