أحدث التقدم العلمي الهائل في مجال تقنيات المعلومات وتدفقها في العقود الثلاثة الأخيرة، ثورة إلكترونية تطبق الآن في جميع مناحي الحياة، وأضحى من الصعوبة بمكان الإستغناء عن خدماتها اللامحدودة، وكطبيعة النفس البشرية حيث يستغل بعض الأشرار المخترعات العلمية وما تقدمه من وسائل متقدمة في إرتكاب العديد من الجرائم التقليدية مستغلين الإمكانيات الهائلة لهذه المستحدثات، او استحداث صور أخرى من الإجرام يرتبط بهذه التقنيات التي تصير محلا لهذه الجرائم او وسيلة لإرتكابها، وقد تزايدت معدلات هذه الجرائم في العقدين الاخرين على وجه الخصوص، بصورة أدت إلى بزوغ فجر ظاهرة إجرامية جديدة، تعرف بالإجرام المعلوماتي او الإجرام الإلكتروني. فتم السطو على البنوك بمساعدة هذه الوسائل المستحدثة، ونمت الجريمة المنظمة وترعرعت في ظل هذه الثورة العلمية في مجال المعلومات والإتصالات، على وجه الخصوص في مجالات الإرهاب وتجارة المخدرات، والإتجار بالسلاح والدعارة المنظمة بإستخدام الإنترنت، وإرتكبت العديد من الجرائم التقليدية كالسرقة والنصب وخيانة الأمانة، وتزوير المحررات، والإعتداء على حرمة الحياة الخاصة، وعلى البيانات الشخصية، والتجسس، وظهرت جرائم ملازمة لهذه المستحدثات، منها الغش الإلكتروني بالتلاعب في المدخلات وفي البرامج، والنسخ غير المشروع للبرامج، والعديد من الجرائم المتعلقة بالتجارة الإلكترونية، وإتلاف الأجهزة الإلكترونية، وإتلاف السجلات المدونة على الحاسب الألي ، وبث الصور أو الأفلام الجنسية من خلال الأجهزة، والقذف أو السب عن طريق الإيميل، وغسيل الأموال القذرة بإستخدام النقود الإلكترونية.
وخطورة هذه الظاهرة الإجرامية المستحدثة، أن الجريمة يسهل إرتكابها على هذه الأجهزة أو بواسطتها، وأن تنفيذها لا يستغرق غالبا إلا دقائق معدودة، وأحيانا تتم في بضع ثوان، وأن محو آثار الجريمة وإتلاف أدلتها غالباً ما يلجأ إليه الجاني عقب إرتكابه للجريمة، فضلا عن أن مرتكبي هذه الجرائم، وبالذات في مجال الجريمة المنظمة يلجؤون إلى تخزين البيانات المتعلقة بأنشطتهم الإجرامية في انظمة الكترونية مع استخدام شفرات أو رموز سرية لإخفائها عن اعين اجهزة العدالة، مما يثير مشكلات كبيرة في جميع الأدلة الجنائية وإثبات هذه الجرائم قبلهم.
وتقتضي مواجهة هذه الظاهرة المستحدثة والمعقدة من الإجرام تحقيق أمور عدة، منها ضرورة إعداد كوادر أمنية وقضائية للبحث والتحقيق والمحاكمة في هذا النوع من الجرائم، كذلك تطوير التشريعات الجنائية الحالية سواء الموضوعية او الإجرائية بإدخال نصوص التجريم والعقاب والنصوص الإجرائية اللازمة لمواجهة هذا الإجرام المستحدث فضلا عن ذلك فإن التعاون الدولي في مجال الأمن والتحقيق وتسليم المجرمين وتنفيذ الأحكام يعد ضرورة لا مفر منها.