على ضفاف البحر الأحمر، حيث تعانق الجبال الزرقاء سماء شرم الشيخ الهادئة، عاد صوت مصر ليرتفع من جديد، لا ليعلن حربا، بل ليوقع سلاما يعيد الأمل إلى الشرق الأوسط، وفي قاعة فخمة تزينها أعلام الدول، جلس قادة العالم حول مائدة واحدة لمناقشة الملف الأكثر تعقيدا في المنطقة — الحرب في غزة — لكن هذه المرة كانت الكلمة العليا للدبلوماسية المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، التي نجحت في تحقيق اختراق تاريخي تمثل في توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة، وسط إشادة دولية واسعة، وشكر خاص من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للرئيس المصري على جهوده الصادقة من أجل السلام.
منذ اللحظات الأولى، بدت أجواء القمة مختلفة لم تكن مجرد جلسة تفاوض عابرة، بل لحظة استثنائية جمعت بين السياسة والرمزية، بين الواقعية والأمل، وبين التاريخ والمستقبل، وكانت كلمات الرئيس السيسي في افتتاح القمة واضحة ومحددة: "السلام ليس خيارا بين بدائل، بل هو الطريق الوحيد للحياة الكريمة لشعوبنا " بهذه العبارة، رسم الرئيس خريطة طريق جديدة للمنطقة، تؤكد أن مصر لا تبحث عن مجد شخصي، بل عن استقرار شامل يعيد للدولة الفلسطينية حقها في الوجود والسيادة.
قمة بشهود التاريخ
الحدث لم يكن عاديا شرم الشيخ التي شهدت قمما اقتصادية وسياحية وأمنية عبر عقود، كانت هذه المرة على موعد مع قمة تصنع مستقبل المنطقة، جلس إلى جانب الرئيس السيسي عدد من أبرز زعماء العالم، من بينهم الرئيس الأمريكي ترامب، والرئيس الفرنسي، وقيادات عربية مؤثرة، في مشهد عكس احتراما دوليا متزايدا لمكانة مصر ودورها المحوري، ومع توقيع الاتفاق، وقف ترامب أمام الحضور، وتوجه بكلمات شكر مباشرة للرئيس السيسي، قائلا: "لقد أثبت أن مصر ما زالت صوت العقل والسلام في الشرق الأوسط، لقد قادت جهودا شجاعة وعادلة جعلت هذا اليوم ممكنا"
كانت تلك اللحظة بمثابة اعتراف صريح من القوة العظمى الأولى في العالم بالدور الحاسم للقاهرة، ليس فقط في إدارة الأزمات، بل في إعادة تعريف مفهوم القيادة السياسية في المنطقة.
من الميدان إلى الطاولة
توقيع اتفاق وقف إطلاق النار لم يكن وليد لحظة، بل ثمرة تحركات دبلوماسية مكثفة قامت بها مصر منذ وقوع أحداث 7 أكتوبر ، فمن القاهرة إلى الدوحة، ومن رام الله إلى واشنطن، ظلت أجهزة الدولة المصرية تعمل بصمت، تدير خطوط اتصال متوازية بين الأطراف، وتحافظ على توازن دقيق بين المصالح الدولية والحقوق الإنسانية حتي تحقق هذا الإنجاز الذي يعكس رؤية القيادة السياسية المصرية التي أدركت مبكرا أن الحرب لم تعد تجلب أمنا لأحد، وأن السلام هو القوة الحقيقية في عالم مضطرب و ما تحقق في شرم الشيخ هو إعادة إنتاج للدور التاريخي الذي لعبته مصر في تحقيق السلام منذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى اليوم، ولكن في نسخة أكثر نضجا وواقعية تتناسب مع التحولات العالمية الجديدة.
السيسي وترامب.. مشهد إنساني ورمزي
أحد أكثر المشاهد التي ستظل حاضرة في ذاكرة هذا الحدث كان عندما قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بتقليد الرئيس دونالد ترامب قلادة النيل العظمى، أرفع وسام مصري يمنح لقادة الدول الصديقة، اللحظة التي وثقها الإعلام العالمي كانت رمزا لتقدير مصر لمن دعم جهودها في تحقيق السلام، ورسالة بأن القاهرة لا تنسى من يمد يده بإخلاص، المشهد جمع بين الاحترام المتبادل والتقدير السياسي، لكنه حمل أيضا رسالة عميقة للعالم مفادها أن مصر تتعامل مع الجميع بندية، وتكافئ من يعمل من أجل استقرار المنطقة.
شرم الشيخ.. عاصمة القرار الإنساني
تاريخيا، كانت شرم الشيخ مدينة القرارات الكبرى، لكنها في هذه القمة تحولت إلى منبر إنساني عالمي، حيث تصدرت قضايا المدنيين والإغاثة والمساعدات الإنسانية جدول المباحثات فلم تقتصر الإتفاقية على وقف النار، بل تضمنت بنودا تضمن إدخال المساعدات العاجلة إلى غزة، وإطلاق خطة لإعادة الإعمار، ووضع جدول زمني للحوار السياسي الفلسطيني الداخلي، وهذه البنود تجعل الاتفاق "أكثر من مجرد هدنة، بل اتفاقا لبناء السلام المستدام، وهو ما يميز التحرك المصري عن غيره من الوساطات السابقة التي توقفت عند حدود التهدئة المؤقتة.
عودة مصر إلى قيادة الإقليم
النتيجة الأهم لهذه القمة هي أن مصر استعادت موقعها الطبيعي كقائد للإقليم وصانع لتوازناته، فالرسائل التي خرجت من شرم الشيخ تجاوزت حدود الجغرافيا، لتصل إلى كل من حاول التشكيك في قدرة القاهرة على التأثير في ملفات معقدة، وأدرك الجميع أن مصر ليست طرفا محايدا، بل ركيزة الاستقرار الإقليمي، وأن أي حل في الشرق الأوسط لن يمر دون المرور عبر بوابتها وما تحقق يعكس فلسفة الرئيس السيسي في إدارة الملفات الخارجية، حيث تمزج بين الحزم والهدوء، بين الرؤية الإنسانية والموقف الوطني، وهو ما جعل القاهرة تحظى بثقة الأطراف كافة فهي لا تفرض حلولا، بل تخلق بيئة حوار تسمح للجميع بالوصول إلى اتفاق عادل.
صفحة جديدة من التاريخ
مع إسدال الستار على قمة شرم الشيخ، لم يكن التوقيع على الاتفاقية مجرد ختام لمفاوضات، بل بداية لمرحلة جديدة من العمل المشترك، تكتب فيها مصر فصلا جديدا من تاريخها الدبلوماسي المجيد وأثبتت القمة أن صوت القاهرة ما زال مسموعا، وكلمتها ما زالت قادرة على إيقاف الحروب وصناعة السلام، وأن ما يجمع العالم حولها هو إيمان عميق بدورها الإنساني والسياسي معًا.
وهكذا، كما كانت مصر في الماضي قلب العروبة النابض، فهي اليوم عقل المنطقة الواعي، الذي يرسم ملامح شرق أوسط جديد — لا تفرضه القوة، بل تصوغه الحكمة، وتوقعه يد تمدت بالسلام من أرض السلام.