عاجل

الناتو يطلق أضخم مناوراته البرية منذ الحرب الباردة قرب حدود روسيا

الناتو
الناتو

أطلق حلف شمال الأطلسي (الناتو)، اليوم الإثنين، واحدة من أوسع مناوراته البرية منذ نهاية الحرب الباردة، تحت عنوان "Steadfast Noon"، وذلك بمشاركة أكثر من 2000 عسكري و70 طائرة من 14 دولة، تتركز معظمها في مناطق تطل على بحر الشمال، داخل كلاً من بلجيكا، وبريطانيا، والدنمارك، وهولندا.

وعلى الرغم من بُعد مواقع المناورات عن خطوط التماس مع أوكرانيا، إلا أن هذه التحركات العسكرية تحمل رسائل استراتيجية مباشرة إلى روسيا، وفقًا لمحللين وخبراء.

مناورات تتجاوز الاستعراض العسكري

لا تقتصر أهمية هذه المناورات على اختبار الجاهزية الميدانية، بل تعبر عن تحول في العقيدة الدفاعية الأوروبية، من مجرد استعراض للقوة إلى بناء قدرات ردع فعلية، تشمل التصدي لهجمات الطائرات المسيرة، والحرب السيبرانية، والدفاع النووي.

<strong>الناتو</strong>
الناتو

ووفقًا لحديث الدكتور سعيد سلام، الخبير العسكري ومدير مركز "فيجن" للدراسات في أوكرانيا، فإن هذه التدريبات تعكس رغبة أوروبية واضحة في تعزيز ما يعرف بـ"الردع الجماعي"، وتنسيق عملياتي غير مسبوق بين جيوش الدول الأعضاء في الناتو.

تحركات برية واسعة وتدريبات هجومية ودفاعية

وأوضح سلام أن المناورات تشتمل على تحركات برية واسعة وتدريبات هجومية ودفاعية تحاكي سيناريوهات معقدة، بما في ذلك صد الهجمات الجوية والمسيرة، مؤكدًا أنها ليست رمزية فقط، بل خطوة عملية لتعزيز قدرات أوروبا في مواجهة أي تصعيد محتمل من موسكو.

اختيار إستراتيجي للدول المشاركة

ووفقًا لذلك، أتى اختيار الدول الـ4 المشاركة بناءً على اعتبارات استراتيجية دقيقة، إذ تحتضن بلجيكا وهولندا منشآت نووية ضمن برنامج "المشاركة النووية" للحلف، بينما تقع الدنمارك على خط المواجهة الأول في الجناح الشمالي الشرقي للناتو، حيث كثفت روسيا مؤخرًا نشاطها الجوي، بما في ذلك اختراقات لطائرات مسيرة.

وأشار "سلام" إلى أن هذه المناورات تتكامل مع مشروع "جدار المسيرات" الذي أقر في قمة كوبنهاغن الأخيرة، مؤكدًا أن الشبكة الدفاعية الأوروبية ضد الطائرات بدون طيار بدأت تدخل حيز التنفيذ فعليًا ضمن هذه التدريبات.

خلافات داخل المعسكر الغربي

ورغم وحدة المشهد العسكري، إلا أن التباينات السياسية داخل الغرب ما تزال حاضرة، فبينما تطالب دول أوروبية بتشديد الرد على "الحرب الهجينة" الروسية، تحذر أطراف أخرى من الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة.

وفي هذا السياق، أشار سلام إلى أن الخلافات حول التمويل المشترك للمشاريع الدفاعية الكبرى، ومستوى مركزية القرار داخل حلف الناتو، لا تزال تشكل عقبات أمام تشكيل موقف دفاعي موحد.

<strong>الناتو</strong>
الناتو

واعتبر أن دعوة رئيسة المفوضية الأوروبية لاعتماد "أساليب غير تقليدية" لمواجهة التهديد الروسي، تعكس تطورًا لافتًا في التفكير الأمني الأوروبي، الذي أصبح يشمل الآن تعزيز الدفاعات السيبرانية، وتحصين البنية التحتية، وبناء شراكات مع القطاع الخاص.

مخاوف روسية وانتقادات من الداخل الأوروبي

من جانبه، قال مدير مركز "جي إس إم" للأبحاث في موسكو، الدكتور آصف ملحم، إن المناورات الأوروبية مجرد "استعراض عسكري" هدفه الضغط السياسي والنفسي على روسيا، لكنه استبعد أن تجرؤ أوروبا على مواجهة موسكو مباشرة دون دعم أمريكي شامل، وهو ما لا يبدو مرجحًا في الظروف الحالية.

وأكد ملحم أن الترسانة النووية الروسية المتفوقة تجعل أي صدام مباشر مع الغرب خطيرًا للغاية، وقد يؤدي إلى دمار شامل يشمل القارة الأوروبية والولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه، رأى ملحم أن مشروع "جدار المسيرات" الذي تتبناه أوروبا باهظ التكلفة، وقد عارضته بعض الدول، لكنه يعكس تصاعد الخوف الأوروبي من التهديد الروسي، ومحاولات متكررة لتعبئة الرأي العام لصالح المزيد من الإنفاق الدفاعي.

وأضاف أن هناك تيارات متباينة داخل أوروبا؛ فبينما تدفع شركات السلاح ومؤسسات الضغط نحو التصعيد لبيع المزيد من الأسلحة، يقف تيار آخر أقل تأثيرًا يدعو إلى التهدئة وتخفيف التوتر مع موسكو.

<strong>الناتو</strong>
الناتو

ولفت ملحم إلى أن المزاج العام في بعض الدول الأوروبية لا يعادي روسيا بالكامل، وهناك رفض متزايد للعقوبات الاقتصادية، وسط محاولات للالتفاف عليها، خاصة من دول مثل المجر وسلوفاكيا ومالطا وإسبانيا التي تعاني من أزمات اقتصادية خانقة.

بين الاستعداد والمواجهة

تأتي هذه المناورات في وقت بالغ الحساسية، مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التحذيرات من تحول المواجهة إلى صراع أوسع، وبينما تسعى أوروبا لتأكيد جاهزيتها العسكرية وتماسكها السياسي، تبقى الهوة قائمة بين الخطاب الموحد والواقع المليء بالتناقضات.

تم نسخ الرابط