قمة شرم الشيخ للسلام.. لماذا وصف النبي نوح مصر بـ"أم البلاد و غوث العباد"؟

لماذا وصف النبي نوح مصر بـ"أم البلاد و غوث العباد"؟، سؤال أجابته دار الإفتاء المصرية من خلال موقعها الرسمي وننشره بالتزامن مع قمة شرم الشيخ للسلام، والتي تسطرها مصر للدفاع عن الحق الفلسطيني في الدولة المستقلة.
لماذا وصف النبي نوح مصر بـ"أم البلاد و غوث العباد"؟
يقول الناس: "أرض مصر أرض مباركةٌ وهي أم البلاد" قولٌ صحيحٌ؛ فهذا من كلام نبي الله نوح عليه السلام، وقد ورد في الأثر، وتناقله عددٌ كبيرٌ من علماء الأمة ومؤرخيها. وهذا ما أيَّده الواقع على مر العصور والأزمان، فلماذا وصف النبي نوح مصر بـ"أم البلاد و غوث العباد"؟
وقالت الإفتاء: سميت مصر بـ"أم البلاد و غوث العباد"؛ فبهذا سماها نبي الله نوحٌ عليه السلام؛ فقد أخرج ابن عبد الحكم في "فتوح مصر والمغرب" بسندٍ حسن عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن نوحًا عليه السلام قال لابنه حينما أجاب دعوته: [اللهم إنه قد أجاب دعوتي؛ فبارك فيه وفي ذريته وأسكنه الأرض المباركة، التي هي أم البلاد، وغوث العباد، التي نهرها أفضل أنهار الدنيا، واجعل فيها أفضل البركات، وسخر له ولولده الأرض وذللها لهم، وقوهم عليها].
وهذا الأثر ذكره جماعة من العلماء في كتبهم، واحتجوا به على فضائل مصر، ومنهم: الحافظ الكندي في "فضائل مصر المحروسة"، والمؤرخ العلامة البكري في "المسالك والممالك "، وصاحب "الاستبصار في عجائب الأمصار"، والحافظ جمال الدين بن حديدة في "المصباح المضي في كتاب النبي الأمي ورسله إلى ملوك الأرض من عربي وعجمي"، والمؤرخ العلامة ابن تغري برديفي "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة"، والحافظ السيوطي في "حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة".
كذلك العلامة المقريزي في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"، والعلامة النويري في "نهاية الأرب في فنون الأدب"، ومصر هي البلد الوحيد الثابت تسميته بهذا الاسم، وذلك كما سمى الله تعالى مكة المشرفة بــ أم القرى، وهذا الاسم له دلالة المركزية والصدارة بين بقية البلاد، وله أيضًا دلالة الخير الوفير الذي يخص الله به أرض مصر مما لا يوجد في غيرها، ويحتاج الخلق إليه؛ فيفيض على جميع البلاد؛ كما هو الشأن الذي يُثبته التاريخ دومًا في مصر؛ قال العلامة الألوسي في "روح المعاني": [قد يقال لبلد: هي أم البلاد باعتبار احتياج أهالي البلاد إليها].
فضائل مصر المحروسة
وتابعت: قد ذكرها بهذا اللقب سعيد بن أبي هلال، ونقل ذلك عنه العلماء والمؤرخون؛ كالحافظَيْن الكنديفي "فضائل مصر المحروسة"، والسيوطي في "حسن المحاضرة"؛ [فقد ذكرا عن سعيد بن أبي هلال أنه قال: اسم مصر في الكتب السالفة أم البلاد، وذكر أنها مصورة في كتب الأوائل وسائر المدن مادة أيديها إليها تستطعمها] .
كما ذكرها بذلك الأديب علي بن ظافر الأزدي في "بدائع البدائه" ، والمؤرخ الرحالة ابن بطوطة في "تحفة النظار"، والمؤرخ الغزي في "نهر الذهب في تاريخ حلب"، وقال المرتضى الزبيدي في "تاج العروس": [قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية: مصر أخصب بلاد الله، وسماها الله تعالى بمصر وهي هذه دون غيرها، ومن أسمائها أم البلاد، والأرض المباركة، وغوث العباد، وأم خنور، وتفسيره: النعمة الكثيرة، وذلك لما فيها من الخيرات التي لا توجد في غيرها، وساكنها لا يخلو من خير يدر عليه فيها، فكأنها البقرة الحلوب النافعة].
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما فيما حكاه العلامة المؤرخ ابن زولاق في "فضائل مصر وأخبارها"، والعلامة الشهاب النويري في "نهاية الأرب"، والعلامة المؤرخ المقريزي في "المواعظ والاعتبار"، والعلامة ابن ظهيرة في "الفضائل الباهرة"، والحافظ السيوطي في "حسن المحاضرة"، والمؤرخ ابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة": [لمَّا خلق الله عز وجل آدم عليه السلام مثَّل له الدنيا؛ شرقها وغربها، وسهلها وجبلها، وأنهارها وبحارها، وبناءها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك، فلمَّا رأى مصر رآها أرضًا سهلة، ذاتَ نهر جارٍ؛ مادَّتُه من الجنة، تنحدر فيه البركة، وتمزجه الرحمة، ورأى جبلًا من جبالها مكسوًّا نورًا، لا يخلو من نظر الرب إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة، تُسقَى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات، وقال: يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسك، يدفن فيها غراس الجنة، أرض حافظة مطيعة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظ، ولا زال منك ملك وعز، يا أرض مصر فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلًا، كثَّر الله زرعك، ودر ضرعك، وزكى نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك خير ما لم تتجبري وتتكبري أو تخوني، فإذا فعلت ذلك عراك شرٌّ، ثم يعود خيرك. فكان آدم عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والبركة والرأفة].
قال أبو الحسن أحمد بن محمد بن المدبر المصري الكاتب: [مصر اختيار نوح عليه السلام لولده، واختيار الحكماء لأنفسهم، واختيار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لأنفس الصحابة.. واختيار عمرو بن العاص رضي الله عنه لنفسه.. واختيار الخلفاء لمن يقوم منهم، وكذلك الملوك والسلاطين إلى وقتنا هذا، وقد صارت دار الملك وبيضة الإسلام]. نقلًا عن القاضي ابن ظهيرة في "الفضائل الباهرة في مصر والقاهرة".
وشددت: بناءً على ما سبق: فأرض مصر أرض مباركةٌ وهي أم البلاد؛ فبهذا سماها نبي الله نوحٌ عليه السلام، وتناقل هذه التسمية عددٌ كبيرٌ من علماء الأمة.