شرم الشيخ مركز الثقل الإقليمي ومفاوضات "الحية" ترسم ملامح الهدنة

استضافت مصر جولة مفاوضات هي الأهم في مدينة شرم الشيخ لليوم الثالث علي التوالي وهذة الاستضافة لم تكن مجرد دور وسيط، بل جاءت لتؤكد على موقع مصر كـنقطة ارتكاز إقليمية لاحتواء الصراعات وإدارة الملفات الشائكة، مع تركيز خاص على دور القيادي خليل الحية في تمثيل مطالب المقاومة.
مصر.. ريادة إقليمية ومسار متوازي للأمن والإصلاح
يُعد اختيار مصر المستمر لاستضافة هذه القمم والمفاوضات الحساسة دليلاً دامغاً على ثقة الأطراف الدولية والإقليمية في قدرتها على توفير بيئة آمنة ومستقرة للدبلوماسية. إن الدور المصري لا يقتصر على مجرد تسهيل اللقاءات؛ بل يتجاوزه إلى لعب دور الضامن الفعلي والفاعل الإقليمي الذي يملك مفاتيح التعامل مع الأزمة الإنسانية والسياسية.
ملفات معقدة بمسارين متوازيين
احتواء الأزمة الأمنية، من خلال السيطرة على المعابر الحدودية وإدارة ملف الإغاثة والمساعدات، تسعى مصر جاهدة لمنع تفاقم الكارثة الإنسانية والضغط لوقف التصعيد. هذا الجهد الأمني هو أساس لأي نجاح دبلوماسي.
كما تعمل مصر، في الوقت ذاته، على ترسيخ أجندتها الوطنية للإصلاح الاقتصادي والتنمية، لإثبات أن الاستقرار الأمني والسياسي هو القاعدة التي يجب أن تُبنى عليها جهود التقدم الإقليمي. هذا المسار المزدوج يمنح مصر مصداقية إضافية في المفاوضات، كدولة تسعى للسلام والاستقرار الشامل بعيداً عن فوضى النزاعات.
إن القاهرة هي الطرف الوحيد القادر على التواصل بفعالية مع جميع الأطراف المتصارعة والوسطاء الدوليين، ما يجعلها مركز الثقل الإقليمي الذي لا يمكن تجاوزه في أي تسوية دائمة.
خليل الحية.. صوت حماس في شرم الشيخ وشروط الهدنة المستدامة
يمثل القيادي خليل إسماعيل الحية حالياً رأس وفد حركة حماس المفاوض، ومرجعية الحركة في المحادثات الدولية بعد التغيرات الأخيرة في قيادتها. إن حضوره في شرم الشيخ يؤكد على أن الحركة تتعامل مع المقترح الأمريكي "خطة ترامب" بجدية، لكنها تضع شروطاً صلبة لا يمكن التنازل عنها لضمان تحقيق "الهدوء المستدام" بدلاً من هدنة مؤقتة.
تتمحور أجندة الحية في المفاوضات حول إيصال رسالة واضحة طبقا لما جاء في لقاءة التلفزيوني، لا صفقة دون إنهاء شامل للحرب، وتتلخص مطالب الوفد في النقاط التفاوضية الأساسية التالية
- الوقف الدائم والشامل للعدوان
- كما أن الإصرار على التزام إسرائيلي مكتوب وصريح بإنهاء القتال بشكل دائم، ما يمثل العقبة الأكبر في وجه الخطة الأمريكية الحالية. وأيضاً
- الانسحاب الكامل للقوات، يجب أن يتضمن الاتفاق جدولاً زمنياً موثوقاً للانسحاب الإسرائيلي من جميع مناطق قطاع غزة، بما في ذلك المناطق العازلة والمحاور التي أقامتها القوات.
- عودة النازحين بلا شروط، التأكيد على حق عودة جميع النازحين من جنوب القطاع إلى الشمال، وضمان سلامتهم وعدم تعرضهم للملاحقة.
- صفقة تبادل شاملة ومحورية: ربط ملف الأسرى الإسرائيليين بملف الإغاثة ووقف العدوان، والإفراج عن عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين ذوي الأحكام العالية مثل مروان البرغوث وأحمد سعدات، كدليل على جدية التسوية.
- إن موقف خليل الحية، الذي يصفه بعض الوسطاء بأنه "أكثر صرامة"، يهدف إلى استغلال اللحظة الدبلوماسية لانتزاع أكبر قدر من الضمانات لمنع تكرار الحرب، وضمان إعادة الإعمار الشاملة.
خطة ترامب
تعتبر "خطة ترامب" الإطار الرئيسي الذي تدور حوله مفاوضات شرم الشيخ، ما يضع الولايات المتحدة في موقع القيادة والتحدي. الوفد الأمريكي، الذي يضم شخصيات مؤثرة، يسعى لإنجاز الأهداف الأمريكية العليا في هذه المرحلة:
تحرير الأسرى الفوري: الهدف الأهم لواشنطن هو تأمين إطلاق سراح جميع المحتجزين. لهذا، يمارس الوفد ضغوطاً مكثفة على جميع الأطراف للتركيز على تفاصيل المرحلة الأولى من الاتفاق.
يشدد الرئيس ترامب على أن الولايات المتحدة "ستبذل كل ما في وسعها لضمان التزام الجميع" بالاتفاق. هذا الدور كـضامن دولي يمنح واشنطن نفوذاً في مفاوضات الحية، خاصة وأن حماس تطالب بضمانات دولية لعدم نكث إسرائيل بالوعود.
ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر هو التوفيق بين دور واشنطن كوسيط وكونها المورد العسكري الأساسي لإسرائيل. هذا التناقض يفرض على الوفد الأمريكي أن يعمل على سد فجوة الثقة بين الأطراف لضمان أن الاتفاق لا يكون مجرد "هدنة مؤقتة" تخدم مصالح طرف واحد، بل يفتح آفاقاً لسلام مستدام وعادل.