في يوم السادس من أكتوبر، يوم العبور والنصر، لا يمكن أن تمر الذكرى دون أن نتذكر رجلًا قاد المعركة بعقل المفكر وشجاعة الجندي، ثم اختار أن يُنسب النصر إلى الوطن لا إلى شخصه.
إنه الرئيس محمد أنور السادات، الرجل الذي صنع المجد ثم وقف متواضعًا أمامه.
لكن من بين كل قصصه، تبقى حكاية صغيرة في ظاهرها، عظيمة في معناها، تلخّص جوهر شخصيته وإنسانيته
الأغنية التي كتبها الشاعر عبد الوهاب محمد، ولحّنها بليغ حمدي، وغنّاها عبد الحليم حافظ، كانت في أصلها تقول: “عاش السادات”، تمجيدًا للقائد الذي قاد الأمة نحو النصر.
لكن المفاجأة جاءت من السادات نفسه، الذي رفض أن يُذكر اسمه في الأغنية، وقال ببساطة وعظمة:
“لم أكن أحارب وحدي، فالنصر لم يكن نصر السادات، بل نصر مصر كلها.”
بهذه العبارة القصيرة، رسم السادات ملامح مدرسة في القيادة والسياسة والإنسانية، مدرسة تُعلّم كيف تكون العظمة في التواضع، وكيف يكون المجد للوطن لا للفرد.
لقد كان بإمكانه أن يترك اسمه يردده الملايين في الأغنية الوطنية الأشهر، لكنه اختار أن يُمحى اسمه ليبقى اسم مصر هو الأعلى.
اختار أن يكون القائد الذي يقف خلف الصفوف بعد النصر، لا أمام الكاميرات.
وفي ذكرى رحيله، تتجدد الدروس.
فالسادات لم يكن زعيمًا عاديًا؛ كان صاحب رؤية سبقت عصره، وقلب آمن بالسلام بعد الحرب، وإيمان عميق بأن الشجاعة الحقيقية ليست فقط في العبور بالسلاح، بل في عبور المستقبل نحو سلامٍ يضمن للأجيال القادمة حياة أفضل.
لقد عاش السادات من أجل فكرة، ومات ثابتًا على مبدأ.
رحل الجسد، لكن بقيت الروح التي قالت يومًا: “لن نحارب إلا من أجل السلام.”
رحم الله أنور السادات، الرجل الذي عاش لمصر، وقال لمصر، وانتصر لمصر.