عاجل

"بيت الوطن".. مشروع وطني للمغتربين أم سوق سماسرة بمليارات؟

أراضي
أراضي

منذ إطلاقه عام 2012، حمل مشروع "بيت الوطن" شعارًا إنسانيًا مغريًا: منزل لكل مغترب مصري يحفظ كرامته بعد سنوات الغربة، ويوفر مستقبلًا كريمًا لأسرته.

حلم العودة
 

ومع كل طرح جديد من هيئة المجتمعات العمرانية، تزايد الأمل لدى آلاف المصريين بالخارج، الذين هرعوا لتحويل أموالهم بالدولار لحجز قطع أراضٍ أو وحدات سكنية في المدن الجديدة.

لكن خلف هذا الحلم، تكشف مصادر وتحقيقات عن قصة أخرى موازية: شبكة مصالح غير رسمية، تضخمت عبر السنوات، حولت الأراضي المخصصة للمغتربين إلى سبوبة مليارية لصالح السماسرة والمضاربين والمقاولين، على حساب الغرض الأصلي للمشروع.

أرقام ضخمة.. وعائدات أكبر
- حتى منتصف 2025، بلغت حصيلة "بيت الوطن" أكثر من 9.6 مليار دولار، من خلال بيع أراضٍ ووحدات سكنية وفيلات للمغتربين.
- تم طرح أكثر من 30 ألف قطعة ووحدة في مراحل متتالية، أبرزها في: القاهرة الجديدة، العبور، أكتوبر، الشروق، بدر، دمياط الجديدة، العلمين الجديدة وغيرها.
لكن رغم هذه النجاحات الرقمية، يتساءل كثيرون:
من المستفيد الحقيقي؟ المواطن المغترب؟ أم المقاول الذي يشتري الأرض ويبيع الشقة بـ7 ملايين جنيه؟

الوجه الآخر للطرح.. هكذا تُدار اللعبة
وفق ما رصدته شهادات مغتربين ومصادر مطلعة على السوق العقاري:
- التسجيل بأسماء الأقارب
بعض المغتربين لا يسجل باسمه فقط، بل بأسماء أقاربه وأصدقائه المقيمين في مصر، بشرط أن يتم التحويل بالدولار من الخارج – وهو ما يتم “صوريًا” بتحويل الدولار بين الأفراد داخليًا و"استبداله" عبر السوق.
- البيع الفوري بعد الحجز
فور الحصول على قطعة أرض في موقع مميز، يبدأ المزايدة عليها بين المقاولين والمطورين، خاصة في القاهرة الجديدة، حيث الطلب العقاري مرتفع جدًا.
- الأوفر برايس (Overprice)
بعض الحاجزين يبيعون الأرض بعد الحجز مباشرة مقابل 5 إلى 6 ملايين جنيه أرباحًا صافية، بعد سداد المقدمات فقط – دون بناء أو تطوير.
- المطور "الحرامي" يربح الأضعاف
يحصل المطور (أو المقاول غير المرخص كمطور) على الأرض، يبني عمارة سكنية فاخرة بواجهة حجر، ثم يعرض الشقق بسعر 3 إلى 7 ملايين جنيه. وتدور عجلة الربح بلا قيود.

القضية تنفجر في "المرحلة العاشرة"
في آخر طرح رسمي (المرحلة العاشرة)، احتدمت الأزمة:
- الوزارة طرحت أراضي جديدة في مدن مثل: العلمين، المنصورة الجديدة، أكتوبر، الشروق.
- لكنها استبعدت القاهرة الجديدة من الطرح التكميلي، ما أشعل غضبًا بين بعض المغتربين ممن اعتادوا استغلالها كمصدر ربح سريع.
وبدأت حملة مناشدات ولقاءات تلفزيونية تطالب بعودة طرح القاهرة الجديدة.
لكن بحسب مصادر في الهيئة، الدولة تنبّهت لوجود تلاعب ممنهج وقررت أن "تأخذ نصيبها من الكعكة"، عبر تخصيص الأراضي الكبرى للشركات مباشرة بدلًا من توزيعها على أفراد يعيدون بيعها بسعر أعلى.

الشفافية الغائبة.. والفوضى الحقيقية
رغم وجود لوائح واضحة تمنع التنازل أو البيع دون موافقة الهيئة، إلا أن الواقع مختلف:
- غياب الرقابة: لا توجد آلية فعلية لمراقبة من يبيع أو يتنازل فعليًا عن الأرض، خاصة إذا تم ذلك عبر "توكيلات مشروعة" أو "عقود عرفية".
- ضعف متابعة الجهاز: حتى بعد استلام الأرض، لا يتم دائمًا التحقق من تنفيذ البناء حسب الجدول الزمني، أو إن تم استخدامها لغرض سكني فعلًا.

مكاسب بالملايين.. على حساب الدولة والمواطن
من يحصل على قطعة أرض في القاهرة الجديدة مثلاً بسعر 3 ملايين جنيه، يستطيع بيعها بعد الحجز فقط بـ10 ملايين، دون جهد أو بناء.
وهكذا:
- المغترب يربح ملايين دون أن يسكن.
- المقاول يبني ويبيع الشقة بضعف التكلفة.
- الدولة تخسر عائدًا كان يمكن أن يدخل خزينتها مباشرة.
- المواطن المحلي يُقصى عن الشراء بسبب ارتفاع الأسعار.

أين الرقابة؟ مطالبات بالتحقيق والمراجعة
يقول مصدر مسؤول (طلب عدم ذكر اسمه):
"الموضوع محتاج مراجعة شاملة لكل تخصيصات بيت الوطن من 2014 حتى الآن، خاصة في القاهرة الجديدة، لازم الدولة تشوف مين باع؟ لمين؟ وبكام؟ وتاخد حقها برسوم تنازل حسب أسعار النهاردة، مش أسعار زمان".

 

 


لحماية المشروع من الانهيار، وضمان تحقيق أهدافه الوطنية، أقترح المصدر:
- نشر قوائم تخصيصات الأراضي والوحدات بوضوح للرأي العام.
- فرض رقابة صارمة على التنازلات وإلزامية توثيقها بهيئة المجتمعات.
- تحصيل رسوم التنازل بأثر رجعي بسعر اليوم، وليس وقت الحجز.
- تخصيص أراضٍ مباشرة للمطورين بدل توزيعها على أفراد يعيدون بيعها
- إنشاء لجنة رقابة مستقلة تضم قضاة وخبراء لمراجعة كل تعاملات المشروع.

تم نسخ الرابط