ما حكم تسليف الناس واسترداد المال بزيادة باعتبارها تجارة؟.. الإفتاء تجيب

ما حكم من يقوم بتسليف الناس مبلغًا من المال ويسترده بزيادة بدعوى أن ذلك تجارة؟، سؤال أجابته دار الإفتاء من خلال الصفحة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي.
وقالت: ما يفعله هذا الشخص أمر محرَّم، بل هو من الربا، والربا حرام شرعًا، ولم يقل بِحِلِّهِ عاقلٌ فضلًا عن أن يكون عالمًا أو فقيهًا، وذلك معلوم من الدين بالضرورة؛ لقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: 276]، وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء» أخرجه مسلم.
مفهوم القرض الحسن
القرضُ الحسنُ: هو ما يُعطيهِ الشخصُ المُقرِضُ مِنَ المالِ ونحوِهِ قُرْبةً وإرْفَاقًا للشَّخصِ المقترِضِ على سبيلِ التمليكِ دونَ اشتراطِ زيادة، لِيَرُدَّ إليْهِ مِثلهُ.
قال الإمام الطبري في "جامع البيان": [وإنَّما سَمَّاهُ اللهُ تعالى ذِكْرُهُ (قَرْضًا)؛ لأنَّ معنى (القَرْضِ) إعطاءُ الرجلِ غيرَهُ مالَهُ مُملِّكًا لَهُ، ليقضيه مثلَه إذا اقتَضَاهُ، فلمَّا كانَ إعطاءُ مَنْ أعطى أهلَ الحاجةِ والفاقةِ في سبيل الله إنَّما يُعطيهم ما يُعطيهم مِنْ ذلك ابتغاءَ ما وعَدَهُ الله عليهِ مِنْ جزيلِ الثوابِ عندهُ يومَ القيامةِ: سماه (قَرْضًا)؛ إذْ كانَ معنى "القَرْضِ" في لُغةِ العربِ ما وَصَفْنَا، وإنَّما جَعَلَهُ تعالى ذِكْرُهُ "حَسَنًا"؛ لأنَّ المُعْطِي يُعْطِي ذلكَ عَنْ نَدْبِ اللهِ إياهُ وَحَثِّهِ لهُ عليهِ احتسابًا مِنْهُ].
حكم اشتراط الزيادة في رد القرض بين الأشخاص
إذا كان الشرعُ الشريفُ قد رغَّبَ في القَرْضِ الحَسَنِ وأجزل الثواب للمُقْرِضِ، وحثَّ على قضاء حوائج الناس وتفريج كروبهم، فإنَّه أيضًا قد نهى عن استغلال حوائج الناس وإيقاعهم في الحرج الذي يدفعهم لارتكاب المحظور؛ لذا كان الأصل في القرض ألَّا يَجُرَّ للمقرِض نفعًا، وأن يكون غير مشروط بزيادةٍ على أصله، وأن يكون على سبيل الترفُّق لا التربّح؛ لأنَّه من عقود التبرعات لا المعاوضات.
قال الإمام الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع": [وأما الذي يرجع إلى نفس القرض: فهو ألا يكون فيه جَرُّ منفعةٍ، فإنْ كانَ لمْ يَجُزْ، نحو ما إذا أقرضه دراهم غلة، على أنْ يَرُدَّ عليه صحاحًا، أو أقرضَهُ وشرط شرطًا لهُ فيه منفعة؛ لما رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه «نَهَى عَنْ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا»؛ ولأنَّ الزيادة المشروطة تُشبه الرِّبا؛ لأنَّها فضلٌ لا يقابله عوض].
وقال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار على الدر المختار": [(قوله: كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا حرامٌ) أي: إذا كان مشروطًا كما عُلم ممَّا نقله عن "البحر"].
وقال الإمام القرافي المالكي في "الذخيرة": [شرطه: ألَّا يَجُرَّ منفعةً للمقرِضِ، فإنْ شَرَطَ زيادةً قدرًا أو صفةً: فسدَ، ووجبَ الردُّ إن كان قائمًا، وإلَّا ضَمِنَ بالقيمةِ وبالمثلِ على المنصوص].
وقال العلامة النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني": [(ولا يجوز) أي يحرم (سلفٌ يجرُّ نفعًا) لغير المقتَرِض؛ بأنْ يَجُرَّ للمقرِض -بكسر الراء- أو لأجنبيٍّ مِن ناحية المقترض؛ لأنَّ السلف لا يكون إلا لله؛ فلا يقع جائزًا إلا إذا تَمَحَّضَ النفعُ للمقترِض].
وقال أيضًا: [(وَمَنْ رَدَّ في القرضِ) الذي عليهِ (أكثرَ عددًا في مجلسِ القضاءِ) المرادُ بعدَ حلولِ الأجلِ؛ لأنَّ المرادَ بمجلسِ القضاءِ حلولُ أجلِ القضاءِ، وذلك إنَّما يكونُ بعدَ فراغِ الأجلِ، (فَقَدِ اختلفَ) العلماءُ (في ذلك) بالجوازِ وعدمهِ، وقَيَّدَ الخلافَ بقوله: (إذا لمْ يكنْ فيهِ شرطٌ ولا وَأْي) أي وَعْدٌ (ولا عَادَةٌ).. كما اتُّفِقَ على حرمةِ الزيادةِ عندَ الشرطِ أو الوعدِ أو العادةِ].
وقال الإمام النووي الشافعي في "روضة الطالبين": [يَحْرُم كُلُّ قرضٍ جَرَّ منفعة؛ كشرط ردِّ الصحيح عن المكسر، أو الجيد عن الرديء، وكشرط ردِّه ببلدٍ آخر، فإنْ شرط زيادةً في القدر؛ حَرُمَ إن كان المال رِبَوِيًّا، وكذا إن كان غير رِبَوِيٍّ على الصحيح].
وقال أيضًا في "المجموع شرح المهذب": [ولا يجوزُ قرضٌ جرَّ منفعةً؛ مثل: أن يُقرِضَهُ ألفًا على أن يَبِيعَهُ دارَهُ، أو على أن يَرُدَّ عليه أجودَ مِنهُ أو أكْثَرَ مِنْهُ.. ورُوي عنْ أُبَيِّ بن كَعْبٍ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ رضي الله عنهم: أنهم نَهَوا عن قرضٍ جَرَّ منفعةً، ولأنَّهُ عقدُ إرفاقٍ؛ فإذا شُرِطَ فيهِ منفعة خرج عن موضوعه].
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني": [وكلُّ قرضٍ شُرط فيه أن يزيدَهُ: فهو حرامٌ بغير خلاف.. وقد رُوي عَنْ أُبَيِّ بن كَعب وابن عبَّاس وابن مسعود رضي الله عنهم: أنَّهم نَهَوا عَن قرضٍ جرَّ منفعة، ولأنَّه عقدُ إرفاقٍ وقربة؛ فإذا شُرِطَ فيهِ الزيادةُ أخرجهُ عن موضوعه].