يبقى اسم الدكتور أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، واحدًا من أكثر الأسماء إثارةً للجدل في عالم الاستخبارات خلال القرن العشرين، بعدما أصبح لغزًا حيّر كبار قادة الأجهزة الأمنية في إسرائيل لسنوات. وبينما حاول البعض تصويره كـ"جاسوس مزدوج"، جاءت الوثائق والشهادات الإسرائيلية نفسها لتقر بحقيقة دوره: جاسوس مصري خالص، خدع إسرائيل بامتياز وُلد أشرف مروان عام 1944، وكان على صلة وثيقة بدوائر السلطة العليا في مصر، سواء من خلال زواجه من منى عبد الناصر، أو لاحقًا من خلال عمله كمستشار سياسي للرئيس أنور السادات. هذا الموقع منح مروان قدرة نادرة على الاطلاع على أدق تفاصيل السياسات والقرارات السيادية في أخطر الفترات، لا سيما قبيل اندلاع حرب أكتوبر 1973
على مدار سنوات، اعتقد قادة الموساد الإسرائيلي أن مروان يعمل لصالحهم، بعدما قدم نفسه لهم وأبدى استعدادًا "للتعاون". لكن الوثائق الإسرائيلية لاحقًا، وشهادات كبار القادة السابقين في الموساد، أثبتت أن المعلومات التي زودهم بها كانت جزءًا من خطة خداع استراتيجية مدروسة من قبل المخابرات العامة المصرية.
أخطر تلك اللحظات كانت عشية السادس من أكتوبر، حين أبلغ مروان ضباط الموساد بموعد غير دقيق للهجوم المصري السوري المشترك. النتيجة: تفاجأت إسرائيل بالضربة الأولى، وتأخرت في حشد قواتها على الجبهتين، ما سمح لمصر بتحقيق اختراق حقيقي في سيناء.
رغم محاولات إعلامية لاحقة لتشويه صورته والادعاء بأنه "عميل مزدوج"، جاءت كلمات رئيس الموساد الأسبق، تسفي زامير، لتنسف تلك الرواية. فقد صرح في مقابلات متعددة، أن مروان لم يكن عميلًا نزيهًا لهم، وأنه خدع الموساد في لحظة حاسمة، واصفًا ما حدث بأنه "إخفاق استخباراتي خطير".
كما اعترف المؤرخ العسكري الإسرائيلي المعروف أوري بار يوسف في كتابه "الملاك.. الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل"، أن المخابرات الإسرائيلية كانت تجهل النوايا الحقيقية لمروان، ولم تدرك أنها وقعت في فخ محكم إلا بعد فوات الأوان.
في مصر، ظل مروان موضع تقدير رسمي، حتى من دون إعلان صريح. وقد قال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أعقاب وفاته: "كان وطنيًا مخلصًا، قام بأعمال عظيمة لم تُكشف بعد". كما أقيمت له جنازة عسكرية، حضرها كبار رجال الدولة.
في تطور لافت، قامت هيئة الأرشيف الوطني الإسرائيلي مؤخرًا بنشر وثائق رسمية تؤكد أن أشرف مروان لم يكن عميلًا مزدوجًا كما زعم البعض، بل كان يعمل لصالح مصر فقط، وأن جهاز الموساد كان ضحية لخدعة محكمة. وقد حمل أحد التقارير الرسمية المنشورة اعترافًا صريحًا بأن "أشرف مروان ضلل إسرائيل في لحظة حاسمة"، وهو ما يعزز من الرواية المصرية حول دوره الوطني في خدمة بلاده عبر اختراق الجهاز الأمني الإسرائيلي من الداخل دون أن ينكشف طوال فترة نشاطه
خاتمة: رجل نجح في قلب المعادلة
اليوم، وبعد مرور عقود على حرب أكتوبر، يُجمع المؤرخون والخبراء على أن أشرف مروان كان جزءًا أساسيًا من خطة الخداع الاستراتيجي التي أربكت إسرائيل ومهدت لنصر أكتوبر. لم يكن عميلًا مزدوجًا، بل كان جنديًا في معركة صامتة، دارت في دهاليز المخابرات وظلت سرية لسنوات.
رحل مروان، لكن دوره الوطني يبقى علامة فارقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وشاهدًا على براعة المخابرات المصرية وقدرتها على تحقيق النصر بالصمت والخداع الذكي، لا بالسلاح فقط