دار الإفتاء: رد الهدية بدون سبب شرعي مخالفة لهدي النبي ويُورث الكراهية

أكدت دار الإفتاء المصرية أن ردّ الهدايا بدون وجود سبب شرعي يُعد من السلوكيات المكروهة في الشريعة الإسلامية، ومخالف لهدي النبي ﷺ، لما في ذلك من إيذاء للمُهدي، وكسر لخاطره، وقطع لأسباب المودة والمحبة التي حرص الإسلام على بنائها بين الناس.
حكم رد الهدية
وأوضحت الدار في بيانٍ رسمي أن قبول الهدية مستحب شرعًا باتفاق جمهور العلماء، وأن التهادي من السنن النبوية التي تُقوِّي الروابط الاجتماعية وتُذهب الشحناء والضغائن بين المسلمين، مستشهدةً بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا»، وفي رواية أخرى: «وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» [رواه البخاري].
وأضافت الدار أن النبي ﷺ كان يقبل الهدية ويُثيب عليها، وكان يحث أصحابه على قبول المعروف ممن يقدمه دون مسألة أو إشراف نفس، كما ورد في الحديث: «مَنْ بَلَغَهُ مَعْرُوفٌ عَنْ أَخِيهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَلَا إِشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَقْبَلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ» [رواه أحمد].
وحذّرت دار الإفتاء من أن ردّ الهدية بدون عذر شرعي قد يُورِث الكراهية والبغضاء، ويُخالف أدب التعامل بين المسلمين، خاصة إذا كان المُهدي قد قدمها بقلب صادق ونية طيبة. ونبّهت إلى أن الأصل في الهدايا هو التعبير عن المحبة، وليس القيمة المادية.
وأشارت الدار إلى أن بعض الناس قد يمتنعون عن قبول الهدايا بدعوى التواضع أو الخشية من الحرج، مؤكدةً أن ذلك لا حرج فيه إن كان له مبرر معتبر، لكن يُستحب في هذه الحالة بيان سبب الامتناع وتطييب خاطر المُهدي، اتّباعًا للهدي النبوي في كفّ الأذى ومراعاة مشاعر الآخرين.
واختتمت دار الإفتاء بيانها بالتأكيد على أن رفض الهدايا بدون سبب يُعد تفويتًا لفرصة الأجر والمثوبة، كما أنه قد يؤدي إلى زعزعة العلاقات الاجتماعية، داعيةً إلى إحياء سنّة التهادي، واستحضار ما فيها من ثواب، والعمل بها كوسيلة لبناء المحبة والتراحم بين الناس.
الإفتاء توضح ضوابط قبول الهدية
أكدت دار الإفتاء المصرية أن الشريعة الإسلامية شجعت على تبادل الهدايا بين الناس، وعدّتها من مظاهر البرِّ والإحسان، لما فيها من تأليف القلوب وتوثيق أواصر المودة بين الأفراد، مشيرة إلى أن الهدية نوعٌ من العطاء المشروع إذا كان خاليًا من الأغراض الفاسدة أو المقاصد المحرّمة.
وفي بيان نُشر على الموقع الرسمي لدار الإفتاء، أوضحت الدار أن الهدية في الاصطلاح الفقهي هي: "ما يُقصد به إكرام المُهدى إليه وتقديمه له عن محبةٍ أو تعظيم أو امتنان"، مستندةً إلى تعريف الإمام ابن رشد المالكي في كتابه "البيان والتحصيل".
الهدايا من مظاهر الخير والتكافل
وأشارت الدار إلى أن القرآن الكريم حث على العطاء والإنفاق في وجوه البر، ومن ذلك قول الله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ...﴾ [البقرة: 177]، وقوله سبحانه: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة: 2]، مما يدل على أن تبادل الهدايا والتبرعات هو من الأعمال المستحبة شرعًا، إذا قصد بها وجه الله والتودد إلى الخلق دون أن تكون وسيلةً لأخذ ما لا يحل أو للتأثير في أصحاب القرار.
ماهي ضوابط قبول الهدية؟
وحذَّرت دار الإفتاء من أن الهدية المحمودة شرعًا يجب أن تكون بريئة من المقاصد الدنيوية الفاسدة، مثل السعي لنيل مصلحة شخصية غير مستحقة، أو التأثير في أحكام القضاء، أو تيسير مصالح بغير وجه حق، أو إفساد الذمم؛ لأن هذا النوع من الهدايا يُعدّ من الرِّشوة المحرمة شرعًا.
واستشهدت الدار بما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث عاملًا لجمع الصدقات، فادعى أن ما أُهدي إليه خاص به، فقال صلى الله عليه وآله وسلم منكرًا ذلك:
«ما بالُ العامل نبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي إليّ؟ فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل يُهدى له أم لا؟»، متفق عليه.