عاجل

28 سبتمبر، يوم لا ينسى في الوجدان العربي، في مثل هذا اليوم من عام 1970، أسدل الستار على حياة رجل لم يكن مجرد رئيسٍ لمصر، بل كان رمزًا لعصر، وصوتًا لأمة، وتجسيدًا لحلم عربي كبير، رحل جمال عبد الناصر، لكنه لم يغب، لا عن الذاكرة ولا عن الجدل الذي ما زال يشتعل حول اسمه حتى اليوم.

الزعيم الذي تحدى الإمبراطوريات

قاد عبد الناصر ثورة 23 يوليو 1952، معلنًا نهاية العهد الملكي وبداية جمهورية جديدة تقوم على التحرر من الاستعمار، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الوطنية، وعندما أمّم قناة السويس عام 1956، وقف العالم مذهولًا أمام زعيم شاب يتحدى بريطانيا وفرنسا، ويواجه عدوانًا ثلاثيًا خرج منه أكثر قوة وشعبية.

في زمن كانت فيه الأمة العربية تبحث عن صوت واحد، جاء عبد الناصر يحمل راية القومية العربية، يحلم بوحدة من المحيط إلى الخليج، ويدعم حركات التحرر الوطني من الجزائر إلى اليمن.

حين اهتز الحلم... ولم يسقط

لم تكن كل أيام عبد الناصر انتصارات. جاءت نكسة يونيو 1967 لتضرب القلب العربي في الصميم، وتكاد تُسقط الحلم كله، لكنه، على غير عادة الزعماء، لم يهرب من المسؤولية، أعلن تنحيه، فخرجت الملايين في مشهدٍ تاريخي تطالبه بالبقاء.

عاد ليرمم ما تبقى، وأطلق مشروع إعادة بناء الجيش، ورفض الهزيمة السياسية رغم وقعها العسكري. حتى لحظة وفاته، كان يُعدّ لمواجهة جديدة مع الاحتلال.

ماذا لو كان بيننا اليوم؟

هذا السؤال يتكرر كل عام، لكنه في هذا الزمن يبدو أكثر إلحاحًا:
ماذا لو كان عبد الناصر حيًا بيننا، في ظل هذا المشهد العربي الممزق؟

فلسطين أولًا: من المؤكد أنه كان سيكون من أبرز الرافضين لما يُعرف بـ"صفقات التطبيع"، ولأي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية، بالنسبة له، فلسطين لم تكن قضية شعب فقط، بل قضية وجود وهوية.

وحدة الصف العربي: في عالم تتنازعه المحاور، وتتحكم فيه القوى الإقليمية والدولية، كان عبد الناصر سيصطدم بهذه القوى، ويحاول إحياء حلم الوحدة، لا كشعار، بل كمشروع استراتيجي.

العدالة الاجتماعية: في زمنٍ تتسع فيه الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتختزل الدول في مؤشرات اقتصادية باردة، كان سيعيد الحديث عن الكرامة قبل الخبز، وعن أن الوطن لا يُبنى إلا حين يشعر الجميع أنهم شركاء فيه.

الاستقلال الحقيقي: عبد الناصر كان يرفض التبعية. لو كان موجودًا، لكان أول من يرفض أن تُدار العواصم العربية بريموت خارجي، أو أن تُرسم قراراتها في غرف السفارات.

إرثه: بين الأمل والجدل

جمال عبد الناصر لم يكن ملاكًا، ولم تكن تجربته خالية من الأخطاء. لكن ما لا يمكن إنكاره أنه أيقظ أمة من سباتها، وجعل الجماهير تؤمن بأنها تملك حق القرار والمستقبل.

ورغم مرور أكثر من نصف قرن على وفاته، يبقى الرجل حاضرًا في الشعارات، وفي أحلام الفقراء، وفي نداءات كل من يرفض الاستسلام أمام الأمر الواقع.

في الختام في ذكرى رحيله، لا نرثي عبد الناصر، بل نستحضر السؤال الأهم: هل مات الحلم الذي عاش من أجله؟ أم ما زال في انتظار من يُعيد إشعاله؟

قد تكون الأجيال تغيّرت، وقد تكون الأحلام تبدّلت، لكن ما زال في الأمة من يتذكر أن الكرامة ليست ترفًا، وأن الاستقلال ليس خيارًا، بل قدر.

جمال عبد الناصر... سلام عليك في ذكراك، وفي كل يوم تولد فيه فكرة الحرية من جديد.

تم نسخ الرابط