هل مقابر الأجداد تُعَدُّ تركة عنهم تورث لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم؟

ما حكم توريث المقابر للأحفاد؟ سؤال أجابت عنه دار الإفتاء المصرية :حُكم المقابر الموروثة يختلف باختلاف الحال:
• فإن كان مِلكًا للمتوفى ولم يُدفن فيه أحد من قبل، أو كان مُجهزًا للبيع؛ فإنه يُعد من التركة، ويعامل معاملة سائر الميراث، وللورثة الحق في التصرف فيه بجميع أشكال التصرف الشرعي، كلٌّ بحسب نصيبه المقرر له.
• أما إذا كان القبر في الأصل ملكًا للدولة، ثم خُصص للدفن على سبيل الانتفاع لا التملك؛ فلا يُعتبر ميراثًا، لكونه غير مملوك للميت أصلًا، وإنما يقتصر حق الورثة على الانتفاع به، ويُرجع في تحديد المستفيدين منه إلى الجهة الرسمية المختصة.
• وفي حال كان القبر مِلكًا للميت وقد دُفن فيه بالفعل؛ فإنه يُعتبر وقفًا عليه إلى أن يَبلى، وبخروجه عن مِلك صاحبه يثبت لغيره حق الانتفاع والاختصاص بالدفن فيه. وهنا يكون المرجع في تحديد المنتفعين هو العُرف؛ لأنه الأنسب لتنظيم العلاقات الاجتماعية المرتبطة بهذا الأمر. لذلك يُنظر فيه إلى ما جرى به العُرف في المكان، وما تعارفَت عليه العائلات المشتركة أو الأسرة الواحدة بشأنه
تكريم الإسلام للإنسان بعد وفاته
من صور تكريم الله تعالى للإنسان وفضله على سائر المخلوقات أن شرع له القبر بعد موته، ليكون ساترًا لجسده، وحافظًا لكرامته، وصونًا لحرمته من أن تنبعث رائحته أو تعبث به السباع والطيور أو تمتد إليه أيدي المعتدين. قال الله تعالى:
﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾ [طه: 55]،
وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا﴾ [المرسلات: 25-26]،
وقال جل شأنه: ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس: 21].
توريث المقابر بين الأبناء والأحفاد
حكم الميراث في مقابر الأجداد يختلف باختلاف حال القبر وصورته، إذ منها ما هو ملك، ومنها ما هو وقف، ومنها ما هو للانتفاع فقط. وبيان ذلك كما يلي:
الحالة الأولى: إذا كان القبر ملكًا للميت ولم يُدفن فيه أحد
إذا كان موضع القبر ملكًا للميت ولم يُدفن فيه أحد مطلقًا، أو كان مُعدًّا للبيع ولم يُستخدم بعد، فإن قيمته تُعد من جملة التركة، ويُعامل معاملة المال الموروث، ويقسم ثمنه بين الورثة كلٌّ بحسب نصيبه الشرعي. وهذا ما قرره الفقهاء في تعريف التركة بأنها: كل ما يتركه الميت من الأموال الصافية عن تعلق حقوق الغير بها.
لكن إن جرى العُرف في بعض البيئات على تخصيص مثل هذا القبر للدفن دون بيعه، أو تخصيصه لشخص بعينه، فإن العمل بالعرف مقدم هنا، لكونه أحد مصادر التشريع المعتبرة.
الحالة الثانية: إذا كان القبر ملكًا للميت ودُفن فيه
أما إذا كان القبر ملكًا للميت وقد دُفن فيه بالفعل، فإنه يصبح وقفًا عليه إلى أن يَبلى جسده. وقد اتفق الفقهاء على أن القبر يظل حبسًا على صاحبه ما دام فيه شيء من عظامه، ولا يجوز التصرف فيه ببيع أو غيره. فإذا فني الجسد جاز الانتفاع به في دفن غيره.
وبذلك يخرج القبر بالوقف عن ملك صاحبه، فلا يكون ميراثًا بعده. إلا أن الأعراف في بعض البلاد، ومنها مصر، جرت على أن القبور (الفساقي) تكون للأسرة أو العائلة، فيُدفن فيها الأجداد والآباء والأبناء تباعًا. ومن هنا أُعطي الخلف حق الاختصاص بالانتفاع بها لا حق التملك.
والفرق بين الملك والاختصاص أن الملك يتعلق بالعين والمنافع معًا، بينما الاختصاص لا يثبت إلا في المنافع. ومن ثَمَّ فحق الورثة في هذه الحالة إنما هو حق انتفاع لا ملكية.
أما تحديد من لهم حق الدفن من الأبناء والأحفاد، فهو راجع إلى العرف. والغالب في مصر مثلًا أن يكون الحق للأبناء الذكور وفروعهم، وللإناث ما لم يتزوجن، فإذا تزوجت البنت اختارت بين مقابر أهلها أو زوجها، ويُدفن أولادها في مقابر آبائهم. فإذا أعطى العرف حقوقًا أخرى لأولاد البنات أو غيرهم، وجب الالتزام به، لأن العرف في هذه المسائل معتبر شرعًا.
الحالة الثالثة: إذا كان القبر ملكًا للدولة مخصصًا للانتفاع
وفي حال كان موضع القبر مِلكًا للدولة، ثم خُصص للميت على سبيل الانتفاع لا التمليك، فإنه لا يكون موروثًا، لعدم ملكية الميت له ابتداءً. وإنما يثبت له حق الانتفاع بموجب ما تقرره الدولة من أنظمة ولوائح، ويقتصر حق الورثة على هذا الانتفاع، مع التزامهم بما تحدده الجهة المختصة في شأن المستفيدين من القبر.
دور العرف في تنظيم المسألة
ولما كانت هذه الأمور تمس علاقات اجتماعية وأسرية، فإن الشرع قد اعتبر العرف مصدرًا من مصادر التشريع ما لم يخالف نصًّا قطعيًّا. قال تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: 199].
وجاء عن ابن مسعود رضي الله عنه: “ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئًا فهو عند الله سيئ”.
ولهذا قال العلماء: المعروف عُرفًا كالمشروط شرطًا، والعرف له اعتبار في الشريعة، ويُبنى عليه الحكم في مثل هذه القضايا