عاجل

وسط انتصارات الجيش السوداني.. خبراء يتوقعون مستقبل البلاد ومصير حميدتي الغامض

وسط انتصارات الجيش السوداني.. خبراء يتوقعون مستقبل البلاد ومصير حميدتي الغامض

الحرب في السودان
الحرب في السودان

في ظل الأحداث المتسارعة في السودان، نشر الجيش السوداني خريطة حديثة تظهر المواقع التي يسيطر عليها مقارنة بتلك التي لا تزال تحت سيطرة "قوات الدعم السريع"، وذلك عقب إعلان القوات المسلحة استعادة السيطرة على مواقع استراتيجية جديدة في العاصمة الخرطوم، بما في ذلك القصر الجمهوري، والوزارات السيادية، ومطار الخرطوم الدولي، في خطوة تمثل واحدة من أكبر المكاسب في الصراع المستمر منذ نحو عامين.

وفي بيان مرفق بالخريطة، أكدت القوات المسلحة السودانية أن "الجيش السوداني والقوات النظامية الأخرى، بدعم من الشعب السوداني، مستمرون في عمليات تطهير البلاد في مسار إنهاء التمرد ونشر الأمن والاستقرار، استعداداً للانطلاق نحو إعادة البناء والتعمير في كافة أنحاء الوطن".

وأوضحت الخريطة التي تم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي صباح اليوم الخميس، أن المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوداني تم تمييزها باللون الأخضر، في حين تم تمييز مناطق سيطرة "قوات الدعم السريع" باللون الأحمر.

في هذا التقرير، يستعرض "نيوز رووم" آراء وتوقعات عدد من الخبراء المتخصصين بشأن الوضع في السودان خلال الفترة المقبلة، ونتائج الأحداث الراهنة وتأثيراتها المحتملة على مستقبل البلاد، سواء على الصعيدين السياسي أو الأمني.

يقول الدكتور رافت محمود، خبير في الشأن الأفريقي ومدير إدارة القضايا الأفريقية في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، إن قوات الدعم السريع قد أدركت في الفترة الماضية أن السيطرة الميدانية لم تعد متاحة لها، وذلك بعد أن تمكن الجيش السوداني من امتصاص الصدمة وإعادة ترتيب صفوفه، فضلاً عن تلاحم الشعب السوداني، الذي تجلى في انضمام الآلاف من المواطنين إلى صفوف الجيش. 

وأضاف مدير إدارة القضايا الأفريقية في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في تصريحات لـ "نيوز رووم"، أن الجيش بدأ في استخدام تكتيكات جديدة لمواجهة قوات الدعم السريع، في حين بدأت تظهر بوادر انشقاقات داخل قوات الدعم السريع، حيث أعلن بعض فصائلها الانضمام إلى الجيش السوداني.

وأوضح الخبير في الشأن الأفريقي أن قوات الدعم السريع، ومع دعمها من القوى الخارجية، بدأت تمهد للمرحلة المقبلة بعد أن تمكّن الجيش السوداني من فرض سيطرته الكاملة على ولاية الخرطوم، وهو ما تحقق جزئيًا في الأيام الماضية من خلال السيطرة على القصر الجمهوري، وهو رمز سياسي بالغ الأهمية في السودان، مشيرا إلى إعلان قوات الدعم السريع عن خطط لتشكيل حكومة في كينيا، وهو ما يعد جزءًا من الاستراتيجية التي تهدف إلى ضمان استمرار الدعم السريع كطرف سياسي فاعل في السودان، بناءً على رؤية داعميه.

وأضاف الخبير أن السودان سيواجه عدة تحديات في المستقبل القريب، ومن أبرزها المعضلة الأمنية في الغرب السوداني، حيث تمترست قوات الدعم السريع في المنطقة بالقرب من حدود تشاد، ما يجعلها قريبة من دعم لوجستي خارجي. 

وأشار إلى أن هناك مؤشرات تدل على التفكير في استقلال الإقليم، مما قد يؤدي إلى تقسيم آخر للبلاد بعد انفصال جنوب السودان، مضيفا أن بعض القيادات في دارفور تستغل الأوضاع الحالية للمطالبة بمزايا خاصة، في ظل ما يرونه من مظالم تاريخية مثل التهميش وعدم الاستفادة من الخدمات التي يتمتع بها المركز.

وتابع الخبير أن هذا التوجه قد يشجع مناطق أخرى مثل جبال النوبة والبجا في شرق السودان على المطالبة بحقوق مشابهة، مما يزيد من تعقيد الوضع الداخلي، مؤكدا أن الجيش السوداني يتوقع ذلك، وقد وجه مؤخرًا اتهامات صريحة إلى دولتي تشاد وجنوب السودان بدعم قوات الدعم السريع، مع تهديدات بالتعامل العسكري مع تلك الدول إذا استمر الدعم اللوجستي لقوات الدعم السريع.

ما هي حلول الفترة المقبلة؟

أكد مدير إدارة القضايا الأفريقية في مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، أن الانتصار العسكري لن يكون كافيًا لحل مشاكل السودان، لأن الشأن السوداني أكثر تعقيدًا من مجرد القضاء على قوات الدعم السريع. 

وأضاف الخبير أن السودان يواجه تحديات أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة، يجب التعامل معها في المستقبل القريب، متوقعا أن يتوجه الجيش السوداني إلى عقد مؤتمر سياسي يضم القوى السياسية المختلفة لحوار شامل حول مستقبل السودان، بهدف التمهيد لإيجاد حكومة مدنية قادرة على إعادة بناء السودان وجذب المساعدات والاستثمارات الضرورية في المرحلة المقبلة.

وأشار إلى أن الدعم الشعبي المتزايد للجيش السوداني في ظل معاناة السودانيين من سلوكيات قوات الدعم السريع والتطورات الميدانية الأخيرة، يعني أن الجيش لن يقبل بالدور السياسي لقوات الدعم السريع، وأن هذه المرحلة ستنتهي كعنصر سياسي وأمني في السودان.

في ظل التقدمات العسكرية الأخيرة للجيش السوداني، قالت إيرينا تسوكرمان، محامية الأمن القومي الأمريكي والمحللة السياسية، إن القوات المسلحة السودانية تمكنت من طرد قوات الدعم السريع من الخرطوم، في الوقت الذي قام فيه الفريق أول عبد الفتاح البرهان بزيارة المباني الرئاسية التي تم تحريرها. 

وأضافت محامية الأمن القومي في تصريحات لـ "نيوز رووم"، أنه على الرغم من أن الزخم العسكري لصالح الجيش السوداني، إلا أن هناك شائعات تشير إلى محاولات لقوات الدعم السريع للانفصال عن الحكومة المركزية، موضحة أنه في حال حدوث الانفصال، من غير المرجح أن تقبل القوات المسلحة السودانية بذلك، مما قد يؤدي إلى تمترس طويل للصراع. 

وتابعت المحللة الأمريكية أنه في حالة استمرار الجيش في تقدمه الحالي، قد يتمكن من استعادة أراضٍ واسعة وتعزيز سلطته، مشيرة إلى أن الصراع قد عزز الانقسامات الطائفية والقبلية فى السودان، وهو ما سيجعل الأمور أكثر تعقيدًا في المستقبل.

وأكملت أنه في حال تمكن البرهان من استعادة السيطرة الكاملة على البلاد، فمن المحتمل أن تستمر الحركات الانفصالية في المناطق التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع لفترات طويلة، مما قد يؤدي إلى استمرار التوترات والصراع لفترة طويلة.

وفيما يخص تطورات ساحة المعركة، أشارت تسوكرمان إلى أن تقدم الجيش السوداني الأخير يمثل تحولًا هامًا، لكنه لا يعني بالضرورة تحقيق نصر حاسم على الرغم من المكاسب الإقليمية التي حققها الجيش، إلا أن قوات الدعم السريع ما زالت تشكل تهديدًا، خصوصًا في المناطق الكبرى حيث تشن حرب عصابات قد تطيل أمد الصراع.

وفيما يتعلق بالتحديات السياسية المستقبلية، لفتت تسوكرمان إلى أن نجاح الجيش في استعادة النظام لا يعني بالضرورة انتقالًا إلى حكومة مستقرة، موضحة أن السودان الذي شهد العديد من الانقلابات العسكرية، لا تزال الثقة العامة في القوات المسلحة ضعيفة، مما يثير تساؤلات حول قدرة الجيش على التفاعل مع القادة المدنيين بشكل فعال.

وأكملت تسوكرمان أن التسوية السياسية الشاملة ضرورة لاستعادة الاستقرار، إلا أن التنافس الداخلي والضغوط الخارجية تجعل الوصول إليها أمرًا معقدًا.

المشهد الأمني في السودان هشًا بسبب المخاوف من هجمات انتقامية

من جانبه، يقول الدكتور محمد فؤاد رشوان، الخبير في الشؤون الأفريقية، إنه يتوقع عقب التقدم العسكري الكبير الذي أحرزته القوات المسلحة السودانية، قرب انتهاء المعارك المباشرة داخل المدينة، مع انتقال الصراع إلى مرحلة جديدة من عمليات التمشيط، والتي تهدف إلى استهداف الجيوب المتبقية من مقاومة قوات الدعم السريع.

وأضاف في تصريحات لـ "نيوز رووم، أنه رغم تقدم الجيش يبقى المشهد الأمني هشًا بسبب المخاوف من هجمات انتقامية أو تفجيرات قد تنفذها الميليشيات، خاصة مع احتمالية لجوء قوات الدعم السريع إلى تكتيكات حرب العصابات في الأحياء السكنية أو استخدام أسلحة غير تقليدية.

وتابع أن تحديات الخرطوم تتداوز إلى مناطق أخرى مثل دارفور وكردفان والنيل الأزرق، حيث يُتوقع أن تظل هذه المناطق بؤرًا للتوتر بسبب البنية التحتية اللوجستية لقوات الدعم السريع والتاريخ الطويل من الصراعات العرقية والاقتصادية، ما يجعل من السهل إعادة إشعال المواجهات في تلك المناطق. 

وأكمل الخبير الخبير في الشؤون الأفريقية، أنه رغم استعادة الجيش السوداني للسيطرة على العاصمة، إلا أن الأزمة لم تنتهِ بعد، وذلك في ظل غياب حلول سياسية عاجلة لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، مثل ضرورة إجراء إصلاحات مؤسسية وإشراك القوى المدنية في العملية الانتقالية.

في السياق، أكد الدكتور رمضان قرني، خبير الشؤون الإفريقية، أن السيطرة الحالية للجيش السوداني على القصر الجمهوري في الخرطوم وكذلك مطار الخرطوم، تمثل مرحلة مفصلية في تطور الصراع في السودان، موضحا أن هذه النجاحات تمثل تكريسًا للمرحلة الماضية، التي شهدت استعادة الجيش السوداني لعدة مناطق هامة مثل ولاية الجزيرة، السنار، ووادي مدني. 

وأضاف في تصريحا لـ "نيوز رووم، أن السيطرة على القصر الجمهوري والمطار تكتسب أهمية رمزية كبيرة، إذ تعكس السيادة السودانية وتعزز الروح المعنوية للقوات المسلحة، فضلًا عن تأثيرها في كسب الدعم الشعبي لجهود الجيش.

ويرى القرني أنه بالرغم من هذه النجاحات، أن السؤال الذي يظل قائمًا هو: ما هي ملامح المشهد السوداني في المرحلة المقبلة؟.

وأشار القرني إلى تصريحات المسؤولين السودانيين، بما فيهم القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان ووزير الخارجية الدكتور علي يوسف الشريف، التي تؤكد أن العمليات العسكرية ستستمر، وخاصة في منطقتي دارفور وكردفان، حيث شهدت هذه المناطق وجودًا قويًا للحركات المسلحة، مما يجعل استمرار العمليات العسكرية أمرًا محوريًا.

أضاف الخبير الشؤون الإفريقية أن قوات الدعم السريع قد تسرع في إعلان حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها. وقد تكون هذه الخطوة محاولة لإعادة التوازن بعد الهزائم المتتالية من الجيش السوداني، كما أنها تهدف إلى الحفاظ على الزخم الذي حققته قوات الدعم السريع مؤخرًا، خاصة بعد تحالفها مع بعض القوى السياسية، مثل حركة تحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو.

وبالنسبة للمرحلة المقبلة، أشار الدكتور القرني إلى أن هناك اهتمامًا متزايدًا في الحكومة السودانية بملف إعادة الإعمار، حيث يعتبر هذا الملف وسيلة لتعزيز شرعية الانتصارات التي حققها الجيش السوداني، موضحا أن الحكومة السودانية بدأت في اتخاذ خطوات مهمة في هذا الاتجاه، مثل تشكيل مفوضية لإعادة الإعمار، وهو ما يعكس جدية الحكومة في تحقيق الاستقرار وتحقيق تقدم ملموس في إعادة بناء المدن التي استعادتها من قوات الدعم السريع.

مصير قائد قوات الدعم السريع

يقول الدكتور رمضان قرني خبير الشؤون الأفريقية إن مصير حميدتي ما زال غامضًا، حيث تناقضت الروايات حول مكانه وحالته الصحية. 

وأضاف أن بعض الأقاويل تحدثت عن وفاته، لكن ظهرت تسجيلات تؤكد ظهوره في عدة منصات، كما توجد شائعات عن وجوده خارج البلاد، ولكن لم يتم تأكيد هذه المعلومات بشكل رسمي.

من جهته، يقول رافت محمود الخبير في الشأن الأفريقي، إن حميدتي ما زال على قيد الحياة، مستشهدًا بزيارة له إلى كينيا منذ شهر، موضحا أن هذه الزيارة تشير إلى أنه لا يزال نشطًا على الساحة السياسية والعسكرية، مشيرا إلى أن حميدتي يتحرى الحذر بسبب الضغوط الدولية والمحلية التي يتعرض لها، وهو يدرك أنه مستهدف.
متفقا معه، يشدد الدكتور محمد فؤاد رشوان  علي أن  هناك تكهنات عديدة حول إصابة حميدتي أثناء إحدى الطلعات الجوية، وأنه يتلقى العلاج ويتنقل بين عدة أماكن. 

ورغم نفي قوات الدعم السريع لتلك الأخبار، إلا أن غياب حميدتي المستمر عن الظهور يعزز استمرار التكهنات،كما تزداد الشائعات حول هروبه إلى جهة غير معلومة وهو ما يساهم في الغموض الذي يكتنف مصيره.

تم نسخ الرابط