تضامنًا مع غزة.. إضراب شامل في كافة المدن الإيطالية ومواجهات عنيفة مع الشرطة

شهدت مدن إيطاليا حالة غير مسبوقة من الفوضى والشلل التام، إثر اندلاع إضراب عام نظّمته النقابات العمالية والحركات الطلابية والأحزاب اليسارية تضامنًا مع الشعب الفلسطيني في غزة، واحتجاجًا على استمرار العدوان الإسرائيلي الذي يحصد أرواح المدنيين ويزيد من معاناة سكان القطاع.
شلل في المواصلات والخدمات الحيوية
ومنذ ساعات الصباح الأولى، تعطلت حركة القطارات في روما وميلانو ونابولي، كما توقفت الحافلات ومترو الأنفاق عن العمل بشكل شبه كامل، ما تسبب في أزمة مرورية خانقة وشلل شبه تام في تنقل المواطنين.
كما أُغلقت العديد من المدارس والجامعات أبوابها، فيما انضم المعلمون والطلاب إلى المسيرات الحاشدة التي اجتاحت الشوارع، حاملين الأعلام الفلسطينية ولافتات تدعو إلى وقف الحرب فورًا.
مواجهات دامية مع الشرطة
الاحتجاجات، التي بدأت في أجواء سلمية، سرعان ما تحولت إلى مواجهات عنيفة مع قوات الشرطة، خصوصًا في محيط محطة القطار المركزية في ميلانو وساحة فينيسيا في روما واستخدمت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المتظاهرين، بينما رد المحتجون برشق الحجارة والزجاجات الفارغة.

وأسفرت الاشتباكات عن سقوط عشرات المصابين من الجانبين، نُقل عدد منهم إلى المستشفيات في حالة حرجة، ما أثار موجة انتقادات واسعة لأسلوب تعامل السلطات الإيطالية مع الحراك الشعبي.
تضامن يتجاوز الحدود
الإضراب العام لم يكن مجرد موقف داخلي، بل تحول إلى رسالة سياسية موجهة إلى الاتحاد الأوروبي وحكوماته، مفادها أن الشارع الأوروبي لم يعد يقبل الصمت على استمرار العدوان الإسرائيلي. فقد صدرت دعوات صريحة من قادة النقابات وأعضاء البرلمان الإيطاليين لقطع العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية مع تل أبيب، وفرض عقوبات على الاحتلال، على غرار ما فُرض سابقًا على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
دعوات لمقاطعة شاملة لإسرائيل
العديد من الأحزاب السياسية والحركات الشبابية دعت إلى فرض حظر على استيراد السلع الإسرائيلية وإيقاف أي تعاون أكاديمي أو ثقافي معها، معتبرة أن الاستمرار في العلاقات الطبيعية مع حكومة متهمة بارتكاب جرائم حرب يمثل "وصمة عار على الضمير الأوروبي".
وارتفعت أصوات داخل المظاهرات تطالب الحكومة الإيطالية بمراجعة صفقات السلاح مع إسرائيل ووقف أي تعاون عسكري أو أمني معها.
تضامن نقابي واسع
النقابات العمالية الكبرى في إيطاليا، وفي مقدمتها "CGIL" و"UIL"، لعبت دورًا محوريًا في الدعوة للإضراب وصرح قادتها بأن "العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق محليًا دون أن ترتبط بعدالة دولية، وأن الوقوف مع الفلسطينيين واجب إنساني قبل أن يكون موقفًا سياسيًا".

وأكدوا أن استمرار الحرب على غزة يهدد الأمن والاستقرار في العالم بأسره، وأن صوت الشارع الأوروبي سيكون أقوى من أي حسابات سياسية ضيقة.
انتقادات دولية وردود أفعال
الاشتباكات العنيفة وما رافقها من سقوط جرحى، أثارت قلق منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية، التي دعت الحكومة الإيطالية إلى احترام حق المواطنين في التظاهر السلمي.
ووصف مراقبون المشهد بأنه "تحول نوعي في المزاج الشعبي الأوروبي"، حيث باتت العواصم الغربية تشهد ضغوطًا داخلية متزايدة لاتخاذ مواقف أكثر جرأة ضد الاحتلال.
تأثير على المشهد الأوروبي
وأشار المراقبون السياسيون إلى أن ما جرى في إيطاليا ليس حدثًا معزولًا، بل يأتي في سياق موجة متصاعدة من الغضب الشعبي في أوروبا، حيث خرجت تظاهرات مماثلة في مدريد وباريس وبرلين خلال الأسابيع الأخيرة.

ويرى خبراء أن هذه التحركات قد تُجبر الاتحاد الأوروبي على إعادة النظر في مواقفه المترددة، خاصة مع اتساع رقعة الإضرابات والاحتجاجات، وتحولها إلى مصدر قلق حقيقي للحكومات الأوروبية.
مشهد شعبي غير مسبوق
وتحولت ساحات المدن الإيطالية إلى مشهد غير مسبوق من التضامن الشعبي، حيث اجتمعت عائلات كاملة وطلاب وعمال، رافعين صور الضحايا من غزة، ومرددين هتافات تدعو إلى الحرية والعدالة ووقف الحرب هذا المشهد عكس بوضوح أن القضية الفلسطينية لم تعد شأنًا إقليميًا فقط، بل قضية إنسانية تلامس وجدان الشعوب الأوروبية، وتعيد تشكيل الرأي العام تجاه الصراع المستمر منذ عقود.
مستقبل مجهول للعلاقات الإيطالية الإسرائيلية
ورغم محاولات الحكومة الإيطالية التخفيف من وقع الأحداث عبر بيانات مقتضبة تؤكد "التزامها بالسلام"، إلا أن الضغط الشعبي المتنامي قد يضعها أمام خيارات صعبة في المرحلة المقبلة، خاصة إذا استمرت المظاهرات على هذا الزخم ويرى محللون أن استمرار هذه الديناميكية قد يدفع إيطاليا، وربما دول أوروبية أخرى، إلى إعادة صياغة سياساتها تجاه إسرائيل بما ينسجم مع المزاج الشعبي الجديد.

الإضراب العام في إيطاليا لم يكن مجرد حدث عابر، بل محطة مفصلية في مسار التضامن الأوروبي مع فلسطين فقد كشف عن عمق الغضب الشعبي، وعن استعداد شرائح واسعة للتصعيد حتى لو أدى ذلك إلى تعطيل الحياة اليومية. ومع تصاعد الدعوات لقطع العلاقات مع إسرائيل، يبدو أن أوروبا على أعتاب مرحلة جديدة من التوتر السياسي والاجتماعي، قد تغير موازين المواقف الرسمية تجاه القضية الفلسطينية.