منذ أن بدأت المؤامرات تُحاك ضد فلسطين، لم تكن مصر يومًا على الحياد. كانت دائمًا في الصف الأول، تقاتل، تدعم، وتدافع عن حقوق شعب شقيق، تربطه بها روابط التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك.
قبل أن يصدر وعد بلفور عام 1917، كانت مصر قد استشعرت مبكرًا خطر المشروع الصهيوني على فلسطين والمنطقة بأكملها. ورغم خضوعها آنذاك للاحتلال البريطاني، لم تقف مكتوفة الأيدي. فقد لعبت الصحف المصرية دورًا تنويريًا في كشف الأجندات الصهيونية، وكانت ساحات الأزهر والمنتديات الثقافية تضج بالدعوات لمواجهة التهديدات على فلسطين.
حين تصاعدت جرائم العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين في الأربعينيات، كانت مصر أول من تحرك. وبعد إعلان قيام الكيان الصهيوني عام 1948، خاض الجيش المصري حربًا حقيقية دفاعًا عن فلسطين، وقدّم مئات الشهداء في معارك لم تكن إلا دليلًا على أن فلسطين ليست وحدها.
جاء الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ليجعل من القضية الفلسطينية جوهر المشروع القومي العربي. لم تكن فلسطين في عهده "قضية دبلوماسية"، بل جزء من معركة وجود. فدعم الفصائل الفلسطينية، وفتح لهم القاهرة منبرًا وصوتًا ومأوى، وكان يؤمن أن تحرير فلسطين يبدأ بتحرير الإرادة العربية.
في حرب 1967، رغم قسوة الهزيمة، تمسّك عبد الناصر بموقفه، وأعلن أن النضال مستمر. واستمر الدعم المصري لمنظمة التحرير الفلسطينية، سياسيًا وعسكريًا، في كل مراحل الصراع.
حتى بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، لم تتخلَّ مصر عن دعم الفلسطينيين. بل استمرت في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية في المحافل الدولية، وتمسّكت بحل الدولتين ورفضت كل مشاريع التصفية، وعلى رأسها ما عُرف لاحقًا بـ"صفقة القرن"
مع اشتداد الحصار على قطاع غزة، شكّل معبر رفح البري الذي تشرف عليه مصر، شريان حياة لملايين الفلسطينيين. فقد فتحت مصر المعبر في أكثر من مرة لنقل الجرحى والمصابين، وأرسلت مساعدات إنسانية وطبية عاجلة، واستقبلت المصابين في مستشفياتها، وأعلنت دعمها الكامل لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني.
رغم ما شهدته مصر من تغيرات سياسية بعد 2011، ظل الموقف من القضية الفلسطينية ثابتًا، يتجاوز الخلافات والانقسامات. شاركت مصر في جميع جولات التهدئة بين غزة وإسرائيل، واستضافت الحوارات الوطنية الفلسطينية، وساندت جهود إعادة إعمار ما دمره الاحتلال.
اليوم، تواصل مصر دورها الريادي في دعم القضية الفلسطينية، على كافة المستويات: إنسانيًا، عبر المساعدات والدعم اللوجستي، وسياسيًا، من خلال التحركات الدبلوماسية الحثيثة لتثبيت التهدئة، ودعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وفي كل مرة تشتد فيها الأزمات، تكون مصر هي الدولة الوحيدة التي تحضر بالفعل، لا بالتصريحات. فهي لا تبيع مواقف، ولا تساوم على مبادئ، ولا تنسى أن فلسطين هي بوابة الأمن القومي العربي.
مصر وفلسطين ليستا فقط دولتين متجاورتين، بل كيانان متلاحمان في الوجدان العربي.
منذ ما قبل النكبة وحتى اليوم، كانت مصر العمق والسند، ولا تزال تسير على هذا النهج، تؤمن أن الحق لا يسقط بالتقادم، وأن فلسطين ستبقى حرة، بدعم الأوفياء من أبنائها، ومن أشقائها الحقيقيين... وفي مقدمتهم مصر.