بعد تحرير الخرطوم .. هل تضع الحرب أوزارها فى السودان؟

اندلعت الحرب في السودان في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وجاء الصراع نتيجة توترات متراكمة بين الطرفين حول دمج الدعم السريع في الجيش، وفقًا لاتفاق سياسي كان يهدف إلى نقل السلطة إلى حكومة مدنية.
تحولات دراماتيكية
سرعان ما تحولت المواجهات إلى حرب شاملة، حيث سيطرت قوات الدعم السريع على أجزاء واسعة من الخرطوم، بما في ذلك القصر الجمهوري، ومطار الخرطوم الدولي، والعديد من الأحياء الرئيسية، وكما امتد الصراع إلى مدن أخرى، أبرزها دارفور وجنوب كردفان والنيل الأبيض، مما أدى إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق، ونزوح الملايين، وتدمير البنية التحتية للبلاد.
خلال الأشهر الأولى، اعتمد الجيش السوداني على الضربات الجوية والقصف المدفعي لاستنزاف قوات الدعم السريع، فيما لجأت الأخيرة إلى حرب الشوارع والتمركز في المناطق السكنية، وعلى مدار الأشهر التالية، تمكن الجيش من استعادة بعض المناطق تدريجيًا، بدعم من تحالفات محلية، وقوات درع السودان، وقبائل مسلحة في الولايات الغربية والوسطى.
بعد ثلاث سنوات
في مارس 2025، بدأ الجيش السوداني عملية عسكرية واسعة لاستعادة الخرطوم بالكامل، محققًا تقدمًا سريعًا في شرق وجنوب العاصمة. ومع اشتداد الضغوط العسكرية، انسحبت قوات الدعم السريع من مواقع استراتيجية مثل معسكر طيبة ومقر الدفاع الجوي. وفي 27 مارس، أعلن الجيش السوداني رسميًا تحرير الخرطوم بعد استعادة القصر الجمهوري، ومطار الخرطوم، ومعظم الوزارات والمؤسسات الحكومية، مؤكدًا سيطرته الكاملة على العاصمة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات.
وبعودة البرهان إلى القصر الجمهوري في شهر رمضان، يفتح السودان فصلًا جديدًا في تاريخه، وسط تحديات إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار السياسي.
الجيش السوداني يعزز قبضته على الخرطوم
في تطور ميداني لافت، أعلن قائد الجيش السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، من داخل القصر الجمهوري أن "الخرطوم حرة"، في إشارة إلى التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش في معركته ضد قوات الدعم السريع.
هذا الإعلان جاء بعد أن حط البرهان بطائرته الخاصة داخل مطار الخرطوم لأول مرة منذ اندلاع الحرب، ما يعكس استعادة الجيش للسيطرة على مواقع استراتيجية كانت تحت قبضة قوات الدعم السريع.
سيطرة استراتيجية وتقدم مستمر
أكد الجيش السوداني نجاحه في السيطرة على معسكر طيبة، آخر قواعد الدعم السريع في العاصمة، في خطوة تؤكد إحكام قبضته على الخرطوم. كما أعلن قائد عمليات الخرطوم، اللواء عبد الرحمن البيلاوي، أن الجيش استعاد السيطرة على مطار الخرطوم الدولي، وهو موقع محوري في الصراع العسكري نظرًا لأهميته اللوجستية والاستراتيجية.
وفي إطار التقدم العسكري المتواصل، تمكنت القوات السودانية من عبور جسر المنشية وتمشيط المنطقة الشرقية للجسر بالكامل، بالإضافة إلى السيطرة على مناطق حيوية مثل حي النزهة، شارع الصحافة، وميناء الخرطوم البري. هذه الإنجازات تشير إلى تحول ميزان القوى لصالح الجيش، مما يضعف موقف قوات الدعم السريع ويحد من قدرتها على المناورة داخل العاصمة.
امتداد النفوذ العسكري نحو الولايات المجاورة
لم تقتصر مكاسب الجيش على الخرطوم فحسب، بل امتدت إلى مناطق خارج العاصمة، إذ تمكنت القوات المسلحة من التقدم في شمال ولاية الجزيرة، والسيطرة على قرى الجديد الثورة والجديد عمران، في خطوة تقرّب الجيش من فرض هيمنته الكاملة على الولاية، كما واصلت القوات تقدمها باتجاه جنوب ولاية الخرطوم، حيث باتت قريبة من السيطرة على المناطق الجنوبية التي لا تزال تحت قبضة الدعم السريع.
وفي شرق العاصمة، أكد نشطاء من لجان أحياء بري انتشار قوات الجيش داخل عدة مناطق سكنية، مما يعكس تضييق الخناق على قوات الدعم السريع التي شهدت انسحابات واسعة من مناطق بري وأركويت شرق الخرطوم، والأزهري والصحافة جنوب المدينة.
إعادة السيطرة على البنية التحتية الحيوية
على صعيد البنية التحتية، عزز الجيش سيطرته على مباني الوزارات والمؤسسات الحكومية، واستعاد زمام المبادرة في منطقة المقرن، إضافة إلى استعادة السيطرة على جزيرة توتي والقصر الرئاسي، مما يشير إلى استعادة النظام الإداري والمؤسسي للدولة داخل الخرطوم.
كما أعلنت قوات درع السودان، الموالية للجيش، أنها سيطرت على مشروع سندس الزراعي جنوب جبل أولياء، واقتربت من سد وجسر جبل أولياء، آخر المعاقل الرئيسية التي لا تزال تحت سيطرة الدعم السريع، مما يجعلها على بُعد 14 كيلومترًا فقط من حسم المعركة في هذه المنطقة الحيوية.
تحولات استراتيجية تضعف الدعم السريع
نشر الجيش عبر صفحته الرسمية على فيسبوك خارطة توضح مدى سيطرته على العاصمة وولايتي النيل الأبيض وجنوب كردفان، مقابل تراجع واضح لنفوذ الدعم السريع في معظم مناطق الخرطوم وولايات دارفور وكردفان. هذه الخريطة تعكس مدى التقدم الذي أحرزه الجيش، والذي لم يقتصر فقط على السيطرة الميدانية، بل شمل أيضًا استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها.
سيناريوهات ما بعد السيطرة
مع التقدم المتسارع للجيش السوداني، تبرز تساؤلات حول السيناريوهات القادمة، حيث يرجح المحللون أن يؤدي هذا التحول إلى انهيار منظومة الدعم السريع في الخرطوم، مما قد يدفعها إما إلى الانسحاب الكامل من العاصمة أو إعادة التموضع في الولايات الغربية، خصوصًا دارفور، حيث لا تزال تتمتع بنفوذ نسبي.
في المقابل، قد يسعى الجيش إلى إتمام سيطرته على السودان بالكامل عبر مواصلة التقدم في جنوب الخرطوم، وتأمين المناطق الحدودية الاستراتيجية، بالإضافة إلى إعادة ترتيب المشهد السياسي والإداري داخل البلاد، لضمان استقرار ما بعد الصراع.
بالمحصلة، يبدو أن السودان يقترب من مرحلة مفصلية في صراعه العسكري والسياسي، حيث بات الجيش على أعتاب استعادة السيطرة الكاملة على الخرطوم، مما قد يفتح الباب أمام إعادة هيكلة المشهد السياسي في البلاد، وإعادة فرض سلطة الدولة المركزية بعد أشهر من المواجهات العنيفة.