ما حكم الدين في تجسس الزوج على زوجته أو العكس عن طريق وسائل الاتصال الحديثة؟

التجسس بين الزوجين أو محاولة كشف خصوصيات أحدهما الآخر أمر محرَّم شرعًا، إذ إن الأصل أن يقوم كل طرف برعاية حق شريكه وحسن الظن به، مع الحرص على التعاون في الخير والطاعة. وإذا ساورت أحد الزوجين شكوك تجاه الآخر، فالمطلوب أن يلجأ إلى المصارحة بروح الإصلاح والنصح، وتذكير الطرفين بما أوجبه الله تعالى من المعاشرة بالمعروف
المنهيات والمحظورات المترتبة على التجسس على المكالمات الهاتفية بين الزوجين
امتنَّ الله تعالى على عباده بنعمة الزواج، وجعلها من آياته الدالة على حكمته؛ إذ قال سبحانه: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]. وعَظَّم شأن عقد النكاح، وسمَّاه بالميثاق الغليظ، فقال جل شأنه: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء: 21]، وأمر سبحانه بحسن المعاشرة بين الزوجين فقال: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [النساء: 19]. وهذا كلّه يؤكد أن أساس العلاقة الزوجية قائم على الثقة المتبادلة، وحسن الظن، وغضّ الطرف عن الزلات والهفوات، حتى تستقيم الحياة على المودة والرحمة.
فإذا دخَل الشك وسوء الظن بين الزوجين، وتحوَّلت العلاقة إلى تتبعٍ للعورات وتجسسٍ على الخفايا، اختلت الحكمة التي قصدها الشرع من الزواج، وزالت الطمأنينة التي أرادها الله. وما قد يطرأ عند بعض الأزواج من غيرةٍ مفرطة أو شكوكٍ بلا دليل، فيدفعه ذلك إلى التجسس على المكالمات الهاتفية أو مراقبة المراسلات الخاصة لشريك حياته؛ فإن هذا السلوك يُعَد عدوانًا شرعيًّا، وانتهاكًا للحرمة، وفتحًا لباب الشيطان ليُفسد ما بين الزوجين من ألفة ووئام.
وهذا الفعل في حقيقته يشتمل على جملة من المحظورات الشرعية التي جاءت النصوص القطعية في النهي عنها:
أولًا: سوء الظن
سوء الظن محرم إذا كان بلا بيّنة، وقد نهى الله تعالى عنه فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12]. وبيّن الإمام ابن كثير في تفسيره أن المقصود هو اتهام الناس والتخون بغير حق، وأن الواجب على المسلم أن يلتمس لأخيه المحمل الحسن، مستشهدًا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا”.
ثانيًا: تتبع العورات
وهو التنقيب عن عثرات الآخرين والكشف عن سترهم، وقد شدّد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التحذير منه، فقال: «لَا تُؤْذُوا عِبَادَ اللهِ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلاَ تَطْلُبُوا عَوْرَاتِهِمْ؛ فَإِنَّهُ مَنْ طَلَبَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ طَلَبَ اللهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ فِي بَيْتِهِ» (رواه أحمد). فمن يتتبع عورات الناس يعرض نفسه لفضيحة من الله ولو كان في عقر داره.
ثالثًا: التجسس
وقد جاء النهي عنه صريحًا في القرآن والسنة. قال تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات: 12]. وروى الشيخان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا». وقد أوضح الخطيب الشربيني أن معنى التجسس هو تتبع معايب الناس والتفتيش عن بواطنهم.
والتجسس لا يقف عند مجرد كشف العورات، بل يشمل الاطلاع على خصوصيات الناس وكتبهم ورسائلهم. وفي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ نَظَرَ في كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنَّمَا يَنْظُرُ في النَّارِ» (رواه أبو داود). وقد حمل العلماء هذا الحديث على كل ما فيه سر وأمانة، سواء كان مكتوبًا أو محفوظًا في جهاز أو غيره.
رابعًا: استماع ما يُكره صاحبه أن يُسمع
ومن ذلك ما رواه البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ؛ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». أي أن من يتعمد الإصغاء إلى خصوصيات الآخرين دون رضاهم عوقب بالرصاص المذاب، وهو وعيد شديد.
خامسًا: سوء الظن في الحياة الزوجية
وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يقدم الرجل على أهله ليلًا فجأة من سفره، حتى لا يوقع نفسه في الشك وسوء الظن. ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: “نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخونهم أو يلتبس عثراتهم”. وفسر العلماء هذا النهي بأنه صيانة للبيت من الشكوك والاتهام، وصونًا للزوج من سوء الظن بزوجته.
ومن هنا يظهر أن العلاقة الزوجية لا تقوم على مراقبة الآخر أو اقتحام خصوصياته، وإنما على الصدق والثقة المتبادلة. فالزوج مأمور بصيانة أهله وحسن عشرتهم، والزوجة مأمورة بحفظ نفسها وبيت زوجها، كما قال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ﴾ [النساء: 34].
وقد بينت السنة أن للزوج حقًّا على زوجته بألا تُدخل بيته من يكره، ولا تسمح لمن يسيء بسمعة البيت بالدخول أو الحديث معها، كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ» (رواه أبو داود وابن ماجة). لكن هذا الحق لا يبرر بحالٍ من الأحوال أن يتجسس أحد الزوجين على الآخر أو يفتش في خصوصياته دون إذنه؛ لأن ذلك قلب للثقة ريبةً، وللأمانة خيانةً، وللغيرة الممدوحة إلى شك مدمّر.
فالتجسس إذن محرم عمومًا، وهو بين الزوجين أشد حرمة، لأنه ينافي معنى الميثاق الغليظ الذي أُقيمت عليه هذه العلاقة، ويؤدي إلى فساد المودة والرحمة التي جعلها الله آيةً من آياته. وقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ذلك صراحةً بقوله: «إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» (رواه أبو داود).