ما حكم تشريح الحيوانات بغرض الدراسة العلمية.. وما الضوابط؟

في ظل الجدل المتصاعد حول استخدام الحيوانات في التجارب التعليمية والبحثية، يبرز سؤال فقهي مهم: ما حكم تشريح الحيوانات لأغراض الدراسة العلمية وفي هذا السياق أكدت دار الإفتاء أنه لا يُسمح شرعًا باللجوء إلى تشريح الحيوانات الحية لأغراض الدراسة إلا عند انعدام الوسائل البديلة أو تعذّر استخدامها، إذ إن الشريعة الإسلامية نهت عن إيذاء الحيوان بغير مبرر مشروع. فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ» رواه النسائي.
وعليه، فإن وُجدت ضرورة لاستخدام الحيوان في مثل هذه الأبحاث، وجب مراعاة الرفق به، فيُخدَّر حتى لا يشعر بالألم، إلا إذا استدعت طبيعة الدراسة إبقاء جهازه العصبي حيًّا لمتابعة التجربة. كما يجب التعجيل بإنهاء حياته بطريقة رحيمة إذا تعذّر علاجه بعد التجربة، امتثالًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ» رواه مسلم. كما يُقدَّم في هذه الحالات استعمال الحيوانات التي أباح الشرع قتلها ابتداءً.
تسخير الله تعالى المخلوقات للإنسان
امتنَّ الله تعالى على عباده بما خلق في الأرض، فقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [البقرة: 29]، وهذه الآية تشمل كل ما في الأرض من منافع، سواء ما يتعلق بالحيوان أو النبات أو المعادن والجبال، أو ما يبتكره الناس من صنائع وأعمال. وقد بين سبحانه أن المقصود من ذلك هو تحقيق النفع للإنسان في دنياه ودينه؛ ففي أمور الدنيا يكون بالانتفاع بما يقيم البدن ويقويه على الطاعة، وفي أمور الدين يكون بالنظر في هذه المخلوقات والاعتبار بها، كما قال عز وجل: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الجاثية: 13]. ومن جملة هذه النعم: الدواب التي سخرها الله تعالى لخدمة الإنسان في الركوب والعمل والطعام وغير ذلك من أوجه الانتفاع. ويدخل ضمن هذا أيضًا استخدام الحيوانات في الأبحاث العلمية والتدريب الأكاديمي، لكن بشرط ألا يترتب على ذلك تعذيبها أو إيذاؤها بغير مبرر.
الرفق والرحمة بالحيوانات
أرست الشريعة الإسلامية قاعدة عامة تقوم على الرحمة والإحسان، ونهت عن الاعتداء على المخلوقات؛ قال الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال سبحانه: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]. كما أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا المعنى بقوله: «مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ» (متفق عليه). وروي عنه أيضًا قوله: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (رواه الترمذي وقال حسن صحيح).
وقد جعل الإسلام الرفق بالحيوان سببًا لمغفرة الذنوب ودخول الجنة، كما جعل تعذيبه سببًا للعقوبة ودخول النار. فقد غُفر لامرأة بغيٍّ لأنها سقت كلبًا عطشانًا (متفق عليه)، بينما عُذبت امرأة أخرى بسبب حبسها لهرة حتى ماتت جوعًا (رواه مسلم).
ضوابط استخدام الحيوانات في التجارب العلمية
عند الاستعانة بالحيوان في التجارب أو لأغراض التعليم، لا بد من مراعاة الرحمة والرفق. فإذا كان الأمر يتطلب جرح الحيوان أو قتله، فلا يجوز الإقدام على ذلك إلا عند تعذر وجود بدائل مناسبة أو صعوبة اللجوء إليها، مع الاقتصار على القدر اللازم دون إسراف. فالضرورات تقدر بقدرها، وما زاد عن الحاجة يدخل في دائرة العبث وتعذيب النفس الحية، وهو محرم شرعًا.
وقد ورد النهي عن اتخاذ ذوات الأرواح هدفًا للعبث، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا» (رواه مسلم). كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ قَتَلَ عُصْفُورًا عَبَثًا عَجَّ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ فُلَانًا قَتَلَنِي عَبَثًا وَلَمْ يَقْتُلْنِي لِمَنْفَعَةٍ» (رواه النسائي). وروي عنه أيضًا: «مَا مِنْ إِنْسَانٍ قَتَلَ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إِلَّا سَأَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهَا» (رواه النسائي).
لذلك، إذا تعين استخدام الحيوان فلا بد من تخديره بما يمنع عنه الألم، إلا إذا كانت طبيعة البحث تتطلب إبقاء جهازه العصبي نشطًا، كما يجب إنهاء حياته بطريقة رحيمة إذا لم يكن بالإمكان معالجته بعد التجربة، تنفيذًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ» (رواه مسلم).
ومن الأولى أن تُجرى مثل هذه التجارب على الحيوانات التي أذن الشرع بقتلها لما فيها من أذى وضرر، كالغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَمْسٌ فَوَاسِق يُقْتَلْنَ فِي الحَرَم…» (متفق عليه). وقد قرر الفقهاء أن كل ما يؤذي الناس ويضرهم يجوز قتله، أما ما لا ضرر فيه فلا يحل قتله بلا سبب.