عاجل

سرّ الأربعين.. لماذا تنتشر هذه المقامات في ربوع مصر؟ باحث يجيب

مصطفى زايد
مصطفى زايد

يظنّ كثير من الناس أن مقامات “سيدي الأربعين” تضمّ في باطنها أربعين وليًّا، أو أن صاحب الضريح نفسه يُدعى “الأربعون”، لكن الحقيقة تبقى لغزًا لا يعرف أحد كنهه على وجه اليقين؛ فقد تحوّل هذا الاسم عبر القرون إلى لقب تكريم رفيع يُمنَح لأصحاب المنازل الروحية السامية، حتى صار علامة تُميّز مقامًا يعتقد الزائرون أنّ بركته تتجاوز حدود المكان والزمان. 

سر الرقم 40

وقال الباحث الصوفي مصطفى زايد لنيوز رووم: تتناثرالأضرحة المهيبة التي يلتف حولها الزائرون، من أسيوط إلى دمياط، ومن الإسكندرية إلى الفيوم، ويتساءلون عن سر هذا الرقم وعن السبب الذي جعله يتكرر في كل ركن من أرض مصر.
تتجذّر الظاهرة في الموروث الروحي والصوفي، وتحديدًا في مفهوم “الأبدال”.فقد روى الإمام أحمد في المسند عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال:«الأبدال بالشام وهم أربعون رجلًا، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلًا، يُسقى بهم الغيث، ويُنتصر بهم على الأعداء، ويُصرف عن أهل الشام بهم العذاب».
‏وفي المعجم الكبير للطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه:«لا تزال الأرض بها أربعون رجلًا مثل خليل الرحمن، فبهم تُسقَون وبهم تُنصرون، ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر».
وأكد"زايد": ‏ورغم اختلاف المحدّثين في درجة هذه الأحاديث، فإنها شكّلت أساسًا راسخًا في المخيال الإسلامي؛ وقد تناولها كبار الشراح، مثل الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ، والإمام النووي في شرح صحيح مسلم ، مؤكدين حضور فكرة “الأبدال” في التراث.
‏انتقل المفهوم من النصوص إلى الواقع الروحي المصري. ففي الطبقات الكبرى للإمام عبد الوهاب الشعراني  نجد تفصيلًا لمراتب الأولياء، حيث يذكر أن «الأبدال هم أربعون، وهم عماد البلاد، موزعون في الأقطار».

محطة إشعاع روحي

وأوضح مصطفى زايد ‏:و في المخطوطة النادرة تحفة الأحباب فيمن حلّ من الأعيان أسيوط وما بها من الأقطاب للشيخ أحمد الطوخي ، فيُفسَّر اسم “سيدي الأربعين” بأنه «نسبة إلى منزلة صاحب الضريح من مرتبة البدل بين الأولياء، وليس لوجود أربعين جثمانًا في المقام».
‏تبعًا لهذا الفهم، لم يعد الضريح مجرد بناء مادي، بل “محطة إشعاع روحي” تُجسّد استمرارية رتبة “البدل”. فبركة الولي الذي بلغ هذه المنزلة بحسب التصوف تظل حيّة، ويخلفه آخر من “الأبدال” في دورة لا تنقطع، لتبقى الأرض عامرة بأربعين وليًا قائمين لله بالحجة.

 ظاهرة مقامات “سيدي الأربعين” 

وقال زايد:‏إن ظاهرة مقامات “سيدي الأربعين”، كما وثّقتها هذه المصادر، تكشف كيف تداخلت النصوص الدينية بالممارسات الصوفية، فارتسمت خريطة مقدسة للبلاد، تنتشر فيها مراكز البركة والنفحات الإلهية. فالأضرحة ليست مجرد آثار حجرية، بل شواهد حيّة على إيمان عميق بأن الأرض لا تخلو من أولياء يحفظ الله بهم البلاد والعباد.
‏بهذا المعنى، يغدو “سيدي الأربعين” رمزًا لاستمرار الحضور الروحي عبر العصور، وحلقة وصل بين السماء والأرض، يزوره الناس طلبًا للنفحات، وتبقى مصر كما يراها أهل التصوف عامرةً ببركة هؤلاء الأربعين الذين “بهم تقوم الأرض وبهم تحفظ البلاد”.

تم نسخ الرابط