عاجل

إيني تعتمد مصر لتصدير غاز قبرص مقابل رسوم 1.5 دولار للمليون وحدة حرارية

إيني
إيني

في خطوة جديدة تعكس الوزن المتزايد لمصر في معادلة الطاقة الإقليمية، كشفت مصادر بقطاع البترول أن شركة إيني الإيطالية اتخذت قراراً بالاعتماد على البنية التحتية المصرية لتسييل وتصدير الغاز القبرصي إلى الأسواق العالمية، مقابل رسوم عبور ومعالجة تبلغ نحو 1.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية، على أن يبدأ تنفيذ الاتفاق في عام 2027 مع بدء الإنتاج التجاري للغاز القبرصي.

مصر.. البنية التحتية الجاهزة

تمتلك مصر ميزة تنافسية حاسمة في شرق المتوسط بفضل محطتي الإسالة في إدكو ودمياط، واللتين تصل طاقتهما التصميمية إلى نحو 12.2 مليون طن سنوياً (7.2 مليون طن في إدكو و5 ملايين طن في دمياط). هذه القدرة تجعل القاهرة الوحيدة في المنطقة القادرة على استقبال ومعالجة الغاز المنتج من حقول الجوار وتحويله إلى غاز مسال قابل للتصدير، في حين لا تمتلك قبرص أو إسرائيل بنية مماثلة رغم الاكتشافات الكبيرة.

التقديرات الكمية والمالية

التقديرات الأولية تشير إلى أن حجم الغاز القبرصي المتوقع مروره عبر مصر يتراوح بين 7 و10 مليارات متر مكعب سنوياً. وبحسبة تقريبية، فإن هذا الحجم يعادل نحو 5 إلى 7 ملايين طن من الغاز المسال، ما يعني أن العوائد المصرية المباشرة من رسوم العبور والتسييل يمكن أن تتجاوز نصف مليار دولار سنوياً، بخلاف العوائد غير المباشرة المرتبطة بتشغيل العمالة المحلية، وتنشيط الصناعات المساندة مثل الشحن البحري وخدمات الموانئ.

مقارنة بالصادرات المصرية الحالية

خلال عام 2023، بلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال نحو 7.5 مليون طن، أغلبها من محطتي إدكو ودمياط، وفق بيانات وزارة البترول. ومع بدء تدفق الغاز القبرصي عبر البنية المصرية بعد 2027، فإن الصادرات الإجمالية قد ترتفع بنسبة تتراوح بين 60% و80%، ما يمنح القاهرة ثقلاً مضاعفاً في السوق الأوروبي الباحث عن بدائل للغاز الروسي.

 

البعد الأوروبي

الاتفاق يكتسب أهمية خاصة في ظل مساعي الاتحاد الأوروبي لتأمين مصادر مستقرة للطاقة بعد الحرب الروسية – الأوكرانية. وتعتمد الخطة الأوروبية على تنويع الموردين، وهو ما يجعل مصر حلقة محورية في استراتيجية أمن الطاقة الأوروبية. فبينما تواجه مسارات الغاز من روسيا والشرق الأوسط تحديات سياسية، تقدم مصر خياراً آمناً وفعالاً، بفضل موقعها الاستراتيجي على البحر المتوسط وشبكة موانئها المؤهلة للتصدير.


قال الدكتور محمد حليوة، خبير البترول والطاقة، إن الاتفاق يمثل شهادة ثقة أوروبية في البنية التحتية المصرية، مؤكداً أن "إيني فضلت مصر على خيارات أخرى لأنها تملك عناصر الاستقرار السياسي، والبنية التحتية المتطورة، والموقع الجغرافي الأقرب لأسواق أوروبا." وأضاف: "هذا الاتفاق يضع مصر على خريطة أمن الطاقة الأوروبية كخيار استراتيجي طويل الأجل."

وأشار ، لـ نيوز رووم، إلى أن الطاقة الفائضة بمحطات الإسالة المصرية يمكنها استيعاب الغاز القبرصي بسهولة، موضحا: "كل مليار متر مكعب من الغاز يتم إسالته في مصر يمثل قيمة اقتصادية مضافة. إذا افترضنا أن قبرص ستصدر 10 مليارات متر مكعب سنوياً عبر مصر، فهذا يعني عوائد مباشرة قد تتجاوز 500 مليون دولار سنوياً لمصر، بخلاف مساهمة ذلك في تشغيل المحطات بكامل طاقتها."

أبعاد سياسية وإقليمية

الاتفاق يعزز كذلك من موقع القاهرة داخل منتدى غاز شرق المتوسط، حيث تتحول من مجرد طرف منتج ومستهلك إلى مركز لوجيستي إقليمي تتقاطع عنده خطوط الطاقة من دول الجوار. كما أنه يضعف المنافسة المحتملة من مشروعات الأنابيب المباشرة بين قبرص وأوروبا، والتي واجهت صعوبات تمويلية وفنية، ليبقى الخيار المصري هو الأكثر جدوى على المدى المتوسط.

 

التحديات أمام مصر

ورغم المكاسب، تبقى أمام القاهرة تحديات أبرزها ضرورة تأمين احتياجات السوق المحلية مع استمرار تشغيل المحطات بكامل طاقتها، بجانب جذب استثمارات إضافية في أعمال الصيانة والتطوير لضمان استمرار الجاهزية الفنية لمحطات الإسالة. كما يتطلب الأمر إدارة دقيقة للعقود التجارية بما يضمن الاستفادة القصوى من الرسوم والعوائد.

وبالتزامن مع تراجع مؤقت في إنتاج الغاز المحلي، يمثل الاتفاق مع إيني لتصدير الغاز القبرصي عبر مصر فرصة استراتيجية استثنائية، تضمن تدفقات مالية مستقرة، وتضع القاهرة في قلب خريطة الطاقة الأوروبية. وبفضل بنيتها التحتية المتطورة، وموقعها الجغرافي الفريد، استطاعت مصر أن تتحول إلى مركز إقليمي لا غنى عنه لتسييل وتصدير الغاز، ما يمنحها أوراق قوة إضافية على المستويين الاقتصادي والسياسي لعقد قادم على الأقل.

تم نسخ الرابط