لكلّ فترةٍ زمنيّة خصائصها وبهاؤها، فما كان مقدورا عليه، ومُستطاعا في الشباب والصبا، صار عنتا ومشقة في الكهولة بعدما بدأت تنبتُ في صفحة الرأس السوداء شعيراتٌ بيضاء، تسللت كما تتسلل خيوط الصبح، فتبدد صفحة الظلام، وإن كان ثمة فارق وتضاد بين دلالة خيوط الفجر، ودلالة الشعيرات البيضاء، فالأولي تأذن بميلاد يوم جديد، والثانية تأذن بالأفول والمغيب !
والذي كان مُستطاعا بالأمس وحُرمته اليوم، هو قدرتي الفائقة علي السير فتراتٍ طويلة، أقطعُ فيها الكيلوات من الأمتار دون كللٍ ولا نصب، واستعضتُ بذلك المشي عن ممارسة الرياضة، التي لم يعد لي بها طاقة من حيث الوقت والجهد .
كانت فترتا الذهاب للعمل والعودة منه، هما أنسبُ وقت للمشي، فلا أفكِّر مُطلقا في استقلال حافلة داخلية، أو في انتقالي من البيت إلي موقف المواصلات شرق القرية .
والحقيقة أنَّ نهمي للطعام، واكتفائي بمجرد المشي، لم يَكفِ لحرق السعرات الحرارية بجسمي، فزاد عن وزنه الطبيعي، وهو ما جعل المشي أيضا رحلة من العذاب جراء ما يخلِّفه من ألم في المفاصل والركب .
أشار عليَّ ذوو الخبرة بشراء ( سكيتشرز ) فيتنامي أصلي؛ لأصير بعد ارتدائه، والسير به (ريشة في مهبِّ الريح)، وهو ما سيجعل المشي بالنسبة لي( متعة) وليس تكديرا .
أخذتُ أقلّب في مواقع التسويق الإلكتروني؛ بحثا عن أفضل ماركة، وأحسن سعر، وفي كلِّ مرة، كانت تبوؤ محاولاتي بالفشل، وأعود بخفي حنين، إذ إنَّ انخفاض سعر الموديل، كانت تُلازمه دائما رداءة الخامة، والعكس بالعكس، فالخامات الجيدة أسعارها فلكية، ولا طاقة لأصحاب الرواتب الهزيلة على شرائها .
نصحني صديقٌ (عايق) تماما كأبيه بشراء (موديل) غالي الثمن؛ بحجة أنَّ (الغالي ثمنه فيه).
انصعتُ لنصح صديقي مُجبَرا، فلم أكن أنا في الحقيقة (عايق) كأبي - رحمه الله - وشرعتُ بالفعل في إتمام عملية شراء عبر أحد المواقع علي النت، حيث وقع اختياري علي حذاء بقيمة 10000 آلاف جنيه؛ ليرحمني من آلام (الرُّكب والمفاصل)، وقبل أن يردَّ علي رسالتي مسئول التسويق؛ لاتمام عملية الشراء، دخل علينا (الشاب) الطّرز عبد الرحمن شبل، وهو شابٌ يُلاطم الحياة وتلاطمه، ورغما عن ذلك، يظنُّ نفسه(أوعى) من الحصى، ولا أدري من الذي رسَّخ في ذهنه هذا الاعتقاد، وقال لي: يا خال، جريا علي نداء زوجته لي، حيث إنني خالها بالفعل، فهي بنتُ ابنة عمي، فصرتُ خاله بالتبعية أو المجاورة .
أعود لنصيحة عبد الرحمن شبل (الجهنَّمية)، بعد الجملة الاعتراضية السابقة، حيث قال لي: سأُحيلك إلي موقع تسويق( لقطة)، اشتريتُ منه ٣ أحذية بمائة جنيه .. آه والله كما قرأتَ أنت بالفعل(٣ بمائة جنيه)، واستطرد، ودفعتُ للمندوب ٣٠ جنيها مصاريف شحن، فكان الإجمالي ٣ أحذية بـ١٣٠ جنيها !
هنالك ضرب د. محمد علي معروف، الذي نصحني من قبل بشراء حذاء غال، كفا بكف وقال: (يعني تشتري بـ 10000 آلاف 300 سكيتشرز من نوعية ما اشتراه عبد الرحمن، تلبس خلال السنة ٣٠٠، وبقية السنة سواء كانت كبيسة، أو بسيطة تلبس أحذيتك الأخرى، والكلاسيك واللميع) .
عدتُ أدراجي، وعدلتُ عن نصيحة د. محمد علي، وهمَمتُ بتنفيذ فكرة عبد الرحمن شبل، ولكنني قلتُ في سرّي: (قبل ما تقع الفاس في الراس، شوف ياواد تلك الأحذية قبل التورط في شرائها، وتُقعد تدلل على بيعها علي(فرشة) في داير الناحية). لبى عبد الرحمن مطلبي، وأحضر الأحذية، فإذا بها (كنادير)، وهو جمع لكلمة (كندورة) نعلها بلاستيلك ردئ، و(الوش) خيش (مقطرن)، فشكرتُ عبد الرحمن (الواعي) علي نصيحته (المهببة)، ولم أجد بدا من الاستجابة لنصيحة د. محمد علي معروف، وشراء الحذاء المُقترح، ولو غالي(شويتين) !
من غِواية السيرة الذاتية