عمرو خالد: النبي علم الأمة الانضباط النفسي في غزوة تبوك (فيديو)

شدد الدكتور عمرو خالد، الداعية الإسلامي، على أهمية الانضباط الشخصي والسيطرة على الرغبات لتحقيق النجاح في الحياة، مؤكدًا أن الانضباط ليس مجرد التزام يومي، بل هو أداة لصناعة الإنسان وتطوير الذات في مختلف المواقف.
وفي الحلقة الخامسة والعشرين من برنامجه الرمضاني "نبي الإحسان"، تناول خالد درسًا عظيمًا تعلمه المسلمون من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتمحور حول قيمة الانضباط وأثره في الحياة، من ضبط المواعيد إلى الالتزام بالمسؤوليات دون تهاون.
غزوة تبوك
استعرض خالد موقفًا محوريًا يعكس درس الانضباط النفسي خلال غزوة تبوك، التي وقعت في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة. وُصفت الغزوة بـ"العُسرة"، نظرًا للصعوبات التي واجهها المسلمون خلالها، وكانت اختبارًا شديدًا لقدرتهم على الالتزام والتحمل.
وتحرك جيش المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم، لمواجهة جيش الروم الذي كان يتأهب لغزو حدود العرب الشمالية، وبلغ عدد جيش المسلمين 30 ألف مقاتل، في حين تراوحت أعداد جيش الروم بين 40 ألفًا و200 ألف.
التحديات وتضحيات الصحابة
وتحدث خالد عن رحلة المسلمين الشاقة إلى تبوك، التي تبعد ألف كيلومتر عن المدينة المنورة، حيث واجه الصحابة ظروفًا قاسية تمثلت في قلة المؤن ووعورة الطريق.
ومع ذلك، ضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء. كان كل ثلاثة رجال يتناوبون على ركوب بعير واحد، وقدم عثمان بن عفان دعمًا سخيًا بتجهيز الجيش، كما أسهمت النساء بالصدقات والحليّ. ورغم ذلك، لم يتمكن بعض الصحابة من توفير ما يكفي للمشاركة، فبكوا حزنًا لعدم قدرتهم على الانضمام.
الانضباط لمواجهة الفتنة
تناول خالد قصتين تعكسان الانضباط الشخصي رغم الإغراءات والمشاق. أولهما قصة أبو خيثمة، الذي تأخر عن الجيش ليومين، وعاد إلى بيته فوجد زوجتيه قد أعدتا له طعامًا وشرابًا باردًا في ظلٍ وارف.
لكنه بكى وقال: "رسول الله في الحر والريح، وأبو خيثمة في الظل والماء البارد؟ والله ما هذا بالنصف". فانطلق فورًا يلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى أدركه في تبوك، فاستقبله النبي بالدعاء.
أما القصة الثانية فهي لأبي ذر، الذي أبطأ به بعيره فتركه وحمل متاعه على ظهره وسار مشيًا على الأقدام خلف الجيش. وعندما رآه المسلمون من بعيد، قال النبي: "كن أبا ذر"، وعندما اقترب قالوا: "هو والله أبو ذر"، فقال النبي: "رحم الله أبا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده".
الصحابة الثلاثة
أشار خالد إلى قصة تخلف ثلاثة من الصحابة عن غزوة تبوك دون عذر، وهم: كعب بن مالك، مرارة بن الربيع، وهلال بن أبي أمية. ذكر كعب أنه تأخر بسبب انشغاله في الدنيا، ثم عجز عن اللحاق بالجيش.
وعندما عاد النبي من الغزوة، اعترف كعب بذنبه وصدق في حديثه مع النبي، فقال له الرسول: "أما هذا فقد صدق"، لكنه أمره بالانتظار حتى يقضي الله في أمره.
الابتلاء والمقاطعة
تحدث خالد عن الابتلاء الذي تعرض له كعب ورفيقاه، حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقاطعتهم تمامًا، فاجتنبهم المسلمون وتغيرت حياتهم بشكل كبير. لم يكلمهم أحد، وتغيرت الأرض عليهم، حتى أرسل ملك غسان رسالة إلى كعب يعرض عليه أن يلتحق به، لكنه رفض وحرق الرسالة، إدراكًا منه بأن هذا جزء من الابتلاء.
الفرج والتوبة
بعد خمسين يومًا من الابتلاء والمقاطعة، أذن الله بالفرج وتاب عليهم. نزلت الآيات الكريمة في صلاة الفجر: "وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا..."، فكان كعب يصلي على سطح منزله، فسمع البشرى وخرّ ساجدًا شكرًا لله. انطلق كعب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الذي استقبله بابتسامة وقال له: "أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك".
أعلن كعب توبته وقرر ألا يتحدث إلا صدقًا لبقية حياته، قائلًا: "إن من توبتي أن أخرج من مالي صدقة"، فنصحه النبي أن يحتفظ ببعض ماله. نزلت الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ".
الانضباط والصدق
اختتم خالد القصة بالتأكيد على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهدف من هذه الابتلاءات إلى بناء الإنسان وتطويره، من خلال تعليمه الانضباط والصبر والالتزام. فالانضباط الحياتي ليس مجرد نظام ظاهري، بل هو جوهر النجاح وبناء المجتمعات.