مصر توازن بين التزامات القروض وحماية المواطن.. خبراء: صندوق النقد شريك مراجعة

في ظل الضغوط المالية العالمية وتزايد التحديات الداخلية، يواصل الاقتصاد المصري مساعيه لتحقيق التوازن بين الوفاء بالتزامات القروض الخارجية وتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن، جاء إعلان صندوق النقد الدولي عن إرسال بعثة جديدة لمراجعة برنامج القرض مع مصر ليفتح باب النقاش مجددًا حول مسار الإصلاحات الاقتصادية، ومدى قدرة الحكومة على دفع النمو المستدام بالتوازي مع برامج الحماية الاجتماعية.
ويؤكد خبراء أن مصر باتت تقود إصلاحها الاقتصادي برؤية وطنية واضحة، فيما يعتبر صندوق النقد شريكًا في المراجعة والمتابعة، لا جهة وصاية على القرار المصري.
مصر تقترب من التحرير الكامل لأسعار الطاقة
قال الدكتور محيي عبدالسلام، الخبير الاقتصادي، إن مصر تسير بخطى واضحة نحو تحرير أسعار الطاقة بما يتوافق مع الأسعار العالمية، وذلك في إطار التزاماتها مع صندوق النقد الدولي، مشيرًا إلى أن لجان المراجعة الدورية، التي تنعقد كل ستة أشهر، ستدفع باتجاه رفع أسعار الوقود تدريجيًا بنسبة تتراوح بين 12 و20% في المراجعة المقبلة المقررة في أكتوبر، على أن تصل الأسعار العالمية خلال ستة إلى سبعة أشهر.
تعزيز الإنتاج المحلي
وأوضح "عبدالسلام" في تصريحات خاصة لـ"نيوز روم "، أن هذه الزيادات حتمية لكنها تتزامن مع جهود حكومية لتعزيز الإنتاج المحلي، وتشجيع الصناعات الوطنية، والبحث عن بدائل دولارية لتقليص الفجوة التمويلية وسداد التزامات استيراد السلع الاستراتيجية مثل القمح والسكر والزيت والفول.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن الأوضاع الجيوسياسية الملتهبة في المنطقة، خصوصًا مع استمرار الحرب في غزة، لم تمنع تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى السوق المصري، بفضل الحوافز الاستثمارية والضريبية، وإنشاء مناطق لوجستية وصناعية جديدة، أبرزها في منطقة قناة السويس وخليج العقبة، مع توقعات قوية بدخول استثمارات كثيفة العمالة ورأس المال في الصناعات الكبرى ومنها بناء السفن.
رفع قيمة الصادرات
وأكد عبدالسلام، أن هدف الدولة رفع قيمة الصادرات إلى ما بين 100 و120 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، مقابل خفض فاتورة الاستيراد من 130 مليار دولار حاليًا إلى أقل من 70 مليار دولار، بما يعزز الميزان التجاري ويحقق تحسنًا ملحوظًا في المؤشرات الاقتصادية.
ولفت، إلى أن معدلات التضخم بدأت تتراجع تدريجيًا، حيث انخفضت من مستويات مرتفعة إلى متوسط 20%، مع توقع أن تصل إلى 14–15% بحلول عام 2026، كما ارتفع معدل النمو الاقتصادي إلى نحو 3.5% في 2024، وسط توقعات ببلوغه 5% بنهاية 2025، في حين تتجه معدلات البطالة للانخفاض إلى حدود 6%.
وأضاف أن هذه المؤشرات الإيجابية جاءت بفضل إجراءات إصلاحية جريئة، وتحالفات مصر الدولية والإقليمية، سواء عبر انضمامها إلى تجمع "بريكس" أو من خلال تنويع شراكاتها بين الشرق والغرب، إلى جانب استقرار داخلي وأمن قومي قوي عزز ثقة المستثمرين الأجانب.
وأكد أن الاقتصاد المصري مقبل على جني ثمار هذه السياسات الإصلاحية، وأن الدولة رغم التحديات والضغوط الخارجية تضع خطة خمسية واضحة تضمن تحسناً تدريجياً ومستداماً.
صندوق النقد شريك مراجعة لا وصاية
أكد الدكتور أيمن غنيم، أستاذ الإدارة والخبير الاقتصادي والقانوني، أن إعلان صندوق النقد الدولي عن إرسال بعثة جديدة لمراجعة برنامج القرض مع مصر يعكس حرص المؤسسة الدولية على متابعة التقدم الكبير الذي أحرزته الدولة في الإصلاحات، ويؤكد التزام الحكومة المصرية بالشفافية والتعاون الكامل مع شركائها الدوليين.
وأضاف "غنيم" في تصريح خاص لـ"نيوز رووم "، أن مصر خلال الأعوام الأخيرة نجحت في تحويل الأزمات إلى فرص، حيث تراجع معدل التضخم السنوي من 38% في سبتمبر 2023 إلى أقل من 15% في يونيو 2025، وهو ما أتاح للبنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة تدريجيًا لتحفيز الاستثمار، في خطوة رحب بها مجتمع الأعمال المحلي والدولي.
تنويع مصادر التمويل الخارجي
وأشار إلى أن التحديات المالية المرتبطة بجدول سداد القروض ليست استثناءً في الحالة المصرية، لكنها تدار بحكمة عبر تنويع مصادر التمويل الخارجي، وزيادة الاحتياطي النقدي الذي بلغ 48.7 مليار دولار منتصف 2025، مقارنة بـ 16 مليارًا فقط في 2016، مما يعكس قوة وصلابة المركز المالي للدولة.
وأوضح أن الحكومة المصرية توازن بدقة بين تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتعزيز النمو من ناحية، وحماية الفئات الأكثر احتياجًا من ناحية أخرى. فقد ارتفعت مخصصات الحماية الاجتماعية في موازنة 2025/2026 إلى أكثر من 635 مليار جنيه، تغطي برامج مثل “تكافل وكرامة”، ودعم الخبز، والتأمين الصحي الشامل.
الطروحات الحكومية
وتابع أن برنامج الطروحات الحكومية، الذي يستهدف جمع 3 مليارات دولار خلال العام المالي الجاري، يمثل أداة مهمة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وهو توجه ينسجم مع وثيقة سياسة ملكية الدولة وخطط زيادة حصة القطاع الخاص إلى 60% بحلول 2030.
وأكد أن المخاطر المترتبة على أي تأخير في تنفيذ بعض الإصلاحات قد تنعكس في تأجيل صرف بعض الشرائح التمويلية أو ارتفاع كلفة الاقتراض الخارجي، إلا أن الاقتصاد المصري أثبت مرونته، حيث ارتفع النمو إلى 4% في العام المالي المنتهي يونيو 2025، وسط توقعات المؤسسات الدولية بتسارع النمو إلى 4.6% في 2026.
ولفت إلى أن هذه الإصلاحات ليست مجرد استجابة لاشتراطات صندوق النقد، بل جزء من رؤية وطنية متكاملة يقودها الرئيس عبد الفتاح السيسي لبناء الجمهورية الجديدة، التي تستند إلى مشروعات قومية كبرى في البنية التحتية والطاقة والنقل، ضخت استثمارات بأكثر من 400 مليار جنيه خلال خمس سنوات.
وشدد على أن طمأنة المواطن هي محور كل هذه السياسات، حيث تهدف الحكومة إلى تخفيف الأعباء عبر توسيع قاعدة الإنتاج وزيادة المعروض من السلع، ما يضمن استقرار الأسعار على المدى المتوسط، كما أن ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 16.3% في النصف الأول من 2025 يؤكد قدرة الاقتصاد على خلق مصادر دخل حقيقية ومستدامة.
وأشار إلى أن التنسيق بين السياسة النقدية بقيادة البنك المركزي والسياسة المالية بقيادة وزارة المالية أوجد أرضية صلبة لتحقيق الاستقرار، وهو ما لاقى ترحيبًا من الأسواق العالمية، إذ ارتفعت التدفقات الاستثمارية إلى مصر في أدوات الدين المحلي، مع عودة الثقة في قوة الجنيه المصري.
وأكد على أن مصر وهي تنفذ برنامجًا إصلاحيًا عميقًا، تتحرك وفق خطة وطنية واضحة لا تقتصر على تلبية متطلبات التمويل، بل تسعى لترسيخ اقتصاد أكثر مرونة وعدالة. وأضاف أن المستقبل يحمل فرصًا واسعة للنمو، وأن مصر قادرة على تجاوز أي ضغوط مالية بفضل قيادتها السياسية الحكيمة وإصرارها على مواصلة طريق الإصلاح.