احتضنت طفلها وقطعت الحبل السري.. «ياسمين ممرضة في غزة ولّدت نفسها تحت القـصف»

تروي الممرضة ياسمين أحمد، التي تعمل في قسم القيصريات بمستشفى الشفاء في قطاع غزة، معاناتها أثناء ولادتها في ظروف صعبة، حيث اضطرت للقيام بدور القابلة لنفسها لإنقاذ حياتها وحياة جنينها.
تقول ياسمين: "كنت أشعر أن الأمر قد ينتهي بموتي، وموت جنيني، حالة من الألم والخوف، كنت أعيشها، عندما فاجأتني آلام الولادة الساعة الرابعة فجرًا دون وجود أحد يساعدني، وأطفالي الصغار يبكون من شدة الخوف، كنت أتألم أمامهم ولا أعلم ما الذي سيحدث لي خلال دقائق".
عجز عن الحصول على الرعاية الصحية
حينما بدأت آلام الولادة، هرع زوجها إلى الخارج ليطلب مساعدة الإسعاف أو يجد أي وسيلة لنقلها إلى المستشفى، لكن لم يكن هناك أي حل، مع تسارع آلام الولادة، لم يكن أمام ياسمين سوى أن تكون الممرضة لنفسها في تلك اللحظة الحرجة.
تضيف ياسمين: "في ذلك الوقت نسيت كل شيء وقررت أن أجهز نفسي للولادة، طلبت من أطفالي أن يضعوا لي فرشًا على الأرض، لم يكن لدي فرصة للحصول على أي مسكنات للألم".
"قررت أن أكون أقوى امرأة في العالم حتى جاء طفلي، وأمسكت برأسه وجسده، وشعرت أن جميع الأصوات توقفت، ولم أعد أستمع إلا لصوت طفلي وصوتي، وشعرت أنني ولدت مجددًا مع طفلي، لأنني كنت أشعر أنني أواجه الموت أثناء الولادة".
بعد ولادتها لطفلها، قامت بقطع الحبل السري باستخدام سكين، ثم بدأت الرضاعة الطبيعية مباشرة.
معاناة القابلات في غزة
تعاني القابلات في قطاع غزة من نقص حاد في مستلزمات الرعاية الصحية الأساسية، ما يضطرهن إلى مواجهة تحديات كبيرة في حالات الولادة الحرجة، خاصة في ظل الحروب المستمرة، القابلة سحر عادل عقل، التي تعمل في غزة، تروي تجربتها في مساعدة صديقتها التي شعرت بآلام الولادة في الشهر السابع من الحمل أثناء الحصار في حي الزيتون.
"لم يكن لدي أي أدوات لاستخدامها في عملية الولادة، لم يكن لدي حتى قفازات، استخدمت سكينًا بعد تسخينه على النار لقطع الحبل السري للمولود، واستخدمت مناديل ورقية كضمادات".
التحديات النفسية والجسدية
تعاني القابلات من ضغط نفسي هائل، بسبب الظروف التي يواجهنها يوميًا في غزة، تقول سحر: "كانت إحدى أصعب الحالات عندما نزحت إلى معهد الأمل، وطلب مني المساعدة في عيادة مجاورة، بينما كانت القوات الإسرائيلية تحاصر المكان، وكان أي شخص يتحرك عرضة لإطلاق النار".
ورغم هذه المخاطر، تمكنت سحر من مساعدة الأم التي كانت في وضع صعب، حيث خرج رأس الطفل أثناء الولادة وكان بحاجة إلى إنعاش، في هذه الأوقات الحرجة تستخدم القابلات كافة الوسائل المتاحة لإنقاذ الأرواح.
الحرب وتأثيرها على صحة الأم والطفل
تقول وزارة الصحة الفلسطينية إن القابلات في قطاع غزة يواجهن ظروفًا صحية كارثية نتيجة استمرار الحرب، وقد انعكس هذا الواقع سلبًا على الخدمات الطبية المقدمة للنساء الحوامل.
إضافة إلى ذلك، تزداد الأوضاع سوءً بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية الأساسية، بما في ذلك مستلزمات العمليات القيصرية والتخدير، والمضادات الحيوية، ووحدات الدم.
حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الحرب تؤدي إلى زيادة أعداد الوفيات في صفوف الأمهات، بسبب نقص الرعاية الصحية المناسبة، كما أن الإجهاد والتوتر الناجم عن الحرب يؤديان إلى زيادة حالات الإجهاض والولادات المبكرة.
حالات الولادة الطارئة في ظل الحرب
أحد أخطر المواقف التي واجهتها القابلة سحر كانت عندما كانت تساعد في توليد امرأة مصابة ببتر في ساقها ويدها، بالإضافة إلى فقدان جنينها بسبب الإصابة، وتقول سحر: "لم يكن لدي ما أقوله لتلك الأم حتى أدعمها نفسيًا بعد كل ما فقدته، ولكنني استجمعت قواي، وكان علي أن أتعامل مع الحالات بكل قوة، وأكون الداعم الأول لهن".
نتيجة للنقص الحاد في الكادر الطبي بسبب الحروب والنزوح، تجد القابلات أنفسهن مضطرات للتعامل مع حالات إصابات خطيرة خارج نطاق تخصصهن، وتروي ياسمين أنها اضطرت للمساعدة في حالات بتر أو إصابات خطيرة من خلال الفريق الطبي المتواجد، لأن ذلك كان الخيار الوحيد المتاح في تلك اللحظات.
تطوع الأطباء والخريجون الجدد
في ظل الظروف الراهنة، أصبح العديد من الأطباء حديثي التخرج يعملون في غزة كمتطوعين بسبب نزوح العديد من الأطباء المتخصصين، تقول ياسمين: "عدد كبير من العاملين في المستشفى حاليًا هم متطوعون من حديثي التخرج، ونحن نحاول بذل أقصى جهدنا لتقديم الرعاية للمصابين والحوامل".
القابلات في غزة يواجهن الموت والمخاطر يوميًا
تستمر القابلات في قطاع غزة في أداء واجبهن المهني في أقسى الظروف، حيث يتعاملن مع الولادات الطارئة والإصابات الحربية، مستخدمات أقل الإمكانيات المتاحة، ورغم هذه التحديات، تظل شجاعتهن وتصميمهن على إنقاذ الأرواح نموذجًا حيًا للتضحية والمثابرة في مواجهة صعوبات الحياة في غزة.