دار الإفتاء: المزاح مباحٌ ويستحب إذا كان بغير كذب أو إيذاء

أكدت دار الإفتاء المصرية أن المزاح في الإسلام جائزٌ في أصله، بل قد يُستحب في بعض الأحيان إذا كان بقصد التلطُّف وإدخال السرور على الآخرين دون أن يشتمل على ما يُخالف تعاليم الشريعة الإسلامية. جاء ذلك في فتوى رسمية صادرة عن الدار ردًّا على سؤال ورد إليها بشأن الحكم الشرعي للمزاح في الإسلام وحدوده وضوابطه.
حكم المزاح في الإسلام
وأوضحت الدار أن المزاح، بمعناه المعروف من الدعابة والملاطفة والانبساط في الحديث، كان من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث ثبت عنه أنه كان يمزح مع أصحابه وأهله والأطفال دون أن يخرج عن دائرة الصدق أو الوقار، بل كان في مزاحه حكمةٌ وتوجيهٌ ورحمة. وقد ورد في الحديث الشريف أن النبي ﷺ قال: «إني لا أقول إلا حقًّا» عندما سأله الصحابة عن مزاحه معهم.
وأكدت الدار أن الغاية من المزاح في الإسلام هي الترويح عن النفس، وكسر حدة الجد، وإزالة الكلفة بين الناس، وتحقيق الأُنس والتآلف، شريطة ألا يكون ذلك على حساب الأخلاق والآداب الإسلامية، أو كرامة الآخرين.
وأضافت الدار أن الضوابط الشرعية للمزاح المشروع تشمل عدة أمور، منها: ألَّا يشتمل المزاح على الكذب بقصد الإضحاك، أو الترويع والإخافة، أو الفحش والبذاءة، أو الغيبة والسخرية من الآخرين. كما نبهت إلى ضرورة الاعتدال في المزاح وعدم جعله عادة دائمة تؤدي إلى ضياع الوقت أو ذهاب الهيبة والوقار أو موت القلب، مستشهدةً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُكْثِروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب».
ونبَّهت دار الإفتاء إلى أن ما يفعله البعض من إطلاق النكات الجارحة أو الاستهزاء بالآخرين أو الاستهانة بالمقدسات والرموز الدينية لا يدخل في باب المزاح المباح، بل هو من الأفعال المحرمة شرعًا، التي تُورِث الإثم وتُذهب المروءة، وتُعدُّ من صور الإيذاء المنهي عنها في الشريعة.
كما أشارت الدار إلى أن الصحابة الكرام كانوا يمازحون بعضهم البعض دون أن يخرجوا عن الأدب والوقار، مستشهدة بما رواه الإمام البخاري في "الأدب المفرد" أن الصحابة كانوا يتبادحون بالبطيخ، فإذا جاءت الأمور الجادة كانوا هم الرجال بحق، في إشارة إلى الجمع بين الجد والمزاح بميزان دقيق.
وفي ختام بيانها، أكدت دار الإفتاء أن المزاح الذي تراعى فيه ضوابط الشرع يُعدُّ من السنن المستحبّة، لما فيه من إدخال السرور على قلوب المسلمين، وهو من أعظم القربات، مشيرة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم».
ودعت الدار إلى نشر ثقافة المزاح الراقي الذي يجمع بين الخلق الحسن وروح الدعابة دون أن ينزلق إلى السخرية أو التقليل من شأن الآخرين، مشددة على أن الإسلام دين الفطرة، ويُراعي الطبيعة البشرية، ويدعو إلى الفرح والسرور في حدود الاحترام والوقار.