عاجل

محمود الخطيب ليس مجرد لاعب سابق او رئيس ناد، بل هو تاريخ ممتد من المجد والانجازات، وقيمة انسانية ورياضية تجاوزت حدود الملاعب والادارة لتصبح رمزا خالدا في ذاكرة الجماهير المصرية والعربية. حين يعلن الخطيب انه لن يترشح في الانتخابات المقبلة بسبب ظروفه الصحية، لا يكون الامر مجرد قرار اداري او شخصي، بل يكون حدثا استثنائيا يهز الوسط الرياضي كله، لانه يتعلق برجل لم يعرف معنى الراحة، ولم يبحث يوما عن مجد شخصي، بل عاش عمره كله من اجل الاهلي، من اجل ان يبقى الكيان كما اعتاده الملايين، قلعة شامخة للبطولات والقيم والمبادئ. ان هذا القرار يكشف لنا جانبا انسانيا عميقا في حياة الخطيب، حيث اثر سلامته الصحية على الاستمرار في مسؤولية مرهقة، لكنه في الوقت نفسه يترك مساحة واسعة للتأمل في حجم ما قدمه هذا الرجل، وفي قيمة الفراغ الذي سيتركه ابتعاده عن المشهد.

الخطيب الذي ولد في قرية بسيطة بمحافظة الدقهلية في خمسينيات القرن الماضي، لم يكن طفلا عاديا، كان يحمل في قدميه موهبة نادرة سرعان ما لفتت الانظار. ومع انتقاله الى القاهرة والتحاقه بالنادي الاهلي، بدأت الحكاية الحقيقية التي تحولت مع الزمن الى اسطورة متفردة. لم يكن مجرد لاعب مهاري او هداف بارع، بل كان نموذجا للالتزام والانتماء، اللاعب الذي يجمع بين الموهبة الخارقة والاخلاق العالية. على مدار سنوات عديدة مع الاهلي، كتب صفحات من المجد باهدافه وانجازاته، وقاد فريقه لتحقيق بطولات محلية وقارية، ورفع اسم مصر عاليا حين فاز بجائزة افضل لاعب في افريقيا عام 1983. كل هدف سجله كان بمثابة لحظة فرح لجماهيره، وكل ابتسامة على وجهه كانت انعكاسا لروح رياضية نقية، جعلت منه ليس فقط لاعبا عظيما، بل ايقونة خالدة.

ومع الاعتزال، لم يتوقف عطاؤه. كان يمكنه ان يكتفي بما قدمه داخل الملعب ويعيش على امجاد الماضي، لكنه اختار طريقا اصعب: خدمة الاهلي من مواقع الادارة. بخطوات ثابتة ومسؤولية كبيرة، تدرج في المناصب حتى اصبح رئيسا للنادي الاهلي، ليبدأ رحلة جديدة لا تقل مشقة ولا تضحية عن رحلته كلاعب. في سنوات رئاسته، اعاد للاهلي بريقه محليا وقاريا، ونجح في تحقيق انجازات غير مسبوقة على مستوى البطولات والتطوير الاداري والانشائي، وتمكن من الحفاظ على هوية الاهلي كاكبر ناد في افريقيا والشرق الاوسط. كان رئيسا يحمل هموم الكيان قبل همومه الشخصية، وظل رمزا للهدوء والالتزام والانضباط، يواجه التحديات الكبيرة بابتسامة واثقة وصوت متزن.

اليوم، حين يقرر الخطيب ان يبتعد عن الانتخابات المقبلة، بسبب ظروفه الصحية، فاننا ندرك حجم الفقد الذي ينتظر الاهلي. صحيح ان الاهلي مؤسسة عريقة تملك ابناء مخلصين قادرين على تحمل المسؤولية، لكن الحقيقة التي لا يمكن انكارها ان الخطيب مختلف. هو ليس مجرد اداري ناجح او لاعب سابق عظيم، بل هو الرابط الذي يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل. هو الرمز الذي يلتف حوله الجميع، القائد الذي يمثل القدوة والنموذج، الرجل الذي صنع لنفسه مكانة لا يستطيع احد ان ينافسه عليها مهما كان اخلاصه للاهلي. غياب الخطيب عن مقعد القيادة سيترك فراغا معنويا ورمزيا لا يمكن ان يملأه احد بسهولة، لانه لم يكن مجرد رئيس ناد، بل كان ضميرا نابضا وذاكرة حية ووجها يليق بكيان في حجم الاهلي.

قد يتساءل البعض: هل يمكن للاهلي ان يستمر بقوته من دون الخطيب؟ والاجابة ان الاهلي كيان عظيم اكبر من اي فرد، لكنه في الوقت نفسه يصبح اكثر قوة ووضوحا بوجود قيادات استثنائية مثل محمود الخطيب. هو الرجل الذي جسد معنى التضحية والانتماء، الذي لم يتردد في تقديم صحته وراحته قربانا من اجل ان يبقى الاهلي في المقدمة، الذي امن دائما ان المبادئ والقيم لا تقل اهمية عن البطولات والالقاب. ولذلك، فاننا حين ننظر الى تاريخه ندرك ان الاسطورة لا تتكرر، وان من يأتي بعده سيحتاج الى جهد مضاعف ليقترب من مكانته، وان ذكراه ستظل محفورة في قلوب جماهير الاهلي وكل من احب كرة القدم المصرية.

محمود الخطيب اليوم يبتعد عن المشهد الإداري لكنه سيبقى روحا وقيمة ومعنى. سيبقى اسمه مرتبطا بالانتصارات والبطولات وبالمبادئ التي صنعها عبر عقود طويلة من التفاني والاخلاص. سيظل هو القدوة التي تلهم الاجيال الجديدة من اللاعبين والمسؤولين، وسيبقى هو الصوت الذي يذكرنا دائما ان الاهلي قيمة ورسالة قبل ان يكون القابا وكؤوسا. وفي النهاية، لا يسعنا الا ان نقول: شكرا يا بيبو، شكرا لانك كنت وما زلت اسطورة لن تتكرر، شكرا لانك قدمت للاهلي كل ما تملك، حتى صحتك. وستظل يا محمود الخطيب رمزا من رموز الرياضة المصرية، قائدا لا ينسى، واسما يخلد في تاريخ الرياضة، ووجها مضيئا في ذاكرة كل مشجع اهلاوي وعربي.

تم نسخ الرابط