كيف حث الشرع على التواصل العلمي والحضاري والاستفادة من خبرات الآخرين؟

أكدت دار الإفتاء المصرية أن الشرع الحنيف حثَّ على التواصل العلمي والحضاري وقبول الاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم، حتى ولو كانوا على غير عقيدتنا، مشيرة إلى أن هذا النهج هو منهج نبوي واضح يتجلى في السيرة العطرة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
التعايش السلمي بين الناس في الإسلام
في بيان رسمي، أوضحت دار الإفتاء أن من القيم الراسخة في الشريعة الإسلامية دعم التعايش السلمي والتعارف والتعاون بين بني البشر، إذ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات: 13]، مما يبرز أهمية التعارف وتبادل الخبرات والثقافات بين الناس بغض النظر عن اختلاف الأديان أو الأعراق.
وأضافت الدار أن الإسلام يدعو إلى قبول الآخرين والتعامل معهم بحسن نية، مستندًا إلى مبدأ الاستفادة من كل ما ينفع الإنسانية من علوم وخبرات مهما كانت مصادرها، واعتبر ذلك من مقاصد الشريعة السامية.
الاستفادة من خبرات الآخرين في السيرة النبوية
أشارت دار الإفتاء إلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان مثالًا حقيقيًا في التواصل الحضاري مع غير المسلمين والاستفادة من خبراتهم، حيث كان يستعين بأهل الذكر والخبرة في مجالات متعددة.
فمن الأمثلة على ذلك، الاستفادة من الطب الرومي والفارسي، حيث روي في صحيح مسلم أن النبي قال: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم»، في إشارة إلى استيعاب الفائدة وعدم الجهل بالعلوم الطبية حتى لو كانت من غير المسلمين.
كما نوهت الدار إلى استئجار النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أريقط، وهو رجل من غير المسلمين، ليكون دليله ومرشده في الهجرة، الأمر الذي يدل على جواز الاستعانة بالخبرات من غير المسلمين في ما لا يتعارض مع الشريعة، وهو ما ورد في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وقال الشيخ ابن القيم في شرحه لهذا الموقف: إن استئجار النبي لعبد الله بن أريقط في الهجرة رغم كونه غير مسلم دليل على جواز الاستعانة بالخبرات من غير المسلمين في الأمور العملية والعلمية، ما دام لا يوجد في ذلك ما يتعارض مع أحكام الدين.
تشجيع الدولة المصرية على تبادل الخبرات والعلوم
وفي سياق متصل، أكدت دار الإفتاء على أن الدولة المصرية تشجع مواطنيها على التبادل العلمي والثقافي مع الدول المختلفة، باعتباره من عوامل التطور والنهضة الوطنية، مشيرة إلى القانون رقم (149) لسنة 2020 بشأن تنظيم البعثات والمنح والإجازات الدراسية، الذي يهدف إلى تعزيز فرص التعلم واكتساب الخبرات في مختلف المجالات.
وأوضحت الدار أن هذا القانون يعكس حرص الدولة على دعم التعايش الوطني والإنساني، مع الحفاظ على منظومة القيم والخصوصية الثقافية، من خلال استغلال فرص العلم والمعرفة الحديثة التي تسهم في بناء المجتمع وتطويره.
خلصت دار الإفتاء إلى أن الشرع الشريف لا يمنع بل يحث على التواصل الحضاري والعلمي مع الآخرين، والاستفادة من خبراتهم وتجاربهم في مجالات متعددة، مؤكدة أن هذه المبادئ جزء أصيل من الإسلام وتعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
كما أن هذه الدعوة تتماشى مع توجهات الدولة الحديثة، التي تدعو إلى الانفتاح الثقافي والعلمي مع الحفاظ على الهوية والقيم الدينية، وذلك من أجل خدمة البشرية وتحقيق التنمية الشاملة.