ما حكم قراءة القرآن في المآتم وأخذ الأجرة عليه؟.. الإفتاء توضح

في ظل تداول بعض الآراء التي تصف قراءة القرآن الكريم في المآتم وسرادقات العزاء وأخذ الأجرة عليها بأنها بدعة، أصدرت دار الإفتاء فتوى واضحة ومفصلة توضح الحكم الشرعي لهذا الأمر، مؤكدة أنه من الممارسات المشروعة التي جرت عليها عادة المسلمين ولا يعتد بوصفها بدعة كما يزعم البعض.
حكم قراءة القرآن في المآتم وأخذ الأجرة عليه
تبدأ الفتوى بتأكيد فضل قراءة القرآن الكريم وأنها من أعظم القربات إلى الله تعالى، وأنها تأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابها، استنادًا إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ». هذا الحديث الشريف يؤكد مكانة القرآن وأهمية تلاوته في جميع المناسبات، ومنها مجالس العزاء.
وتوضح الفتوى كذلك أن إقامة السرادقات لتلقي العزاء أمر مشروع، مستندة إلى السنة النبوية التي شهدت جلوس النبي صلى الله عليه وسلم للعزاء عند وفاة بعض من أصحابه. كما أن العلماء من مختلف المذاهب أفتوا بجواز الجلوس للعزاء، حتى وإن اختلفوا في درجة الاستحباب أو الكراهة في بعض الظروف، حيث إن الحكم يتأثر بالظروف والعادات السائدة.
وعن قراءة القرآن في مجالس العزاء، تؤكد الفتوى جوازها شرعًا، مشيرة إلى أن الأمر القرآني والنبوي العام بقراءة القرآن يتضمن جميع الأزمنة والأماكن والأحوال، ما لم يرد نص صريح بالتقييد. لذلك، فإن وصف هذه الممارسة بالبدعة هو تضييق غير مبرر لما وسعه الله ورسوله.
كما تشير الفتوى إلى فضل التعزية وأجرها العظيم، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَزَّى مُصَابًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ»، بالإضافة إلى أن من يعزي أخاه المؤمن يُكسى حُلل الكرامة يوم القيامة. وهذا ما يجعل إقامة مجالس العزاء وقراءة القرآن فيها من القربات التي تجمع بين الثواب والدعم النفسي لأهل الميت.
وفيما يتعلق بأخذ الأجرة على قراءة القرآن في المآتم، تذكر الفتوى أن هذا الأمر جائز شرعًا، مستندة إلى أحاديث نبوية عديدة منها ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما، حيث أقر النبي صلى الله عليه وسلم أن القراء أخذوا أجرًا على تلاوة كتاب الله تعالى، معتبرًا أن ذلك حق لهم. فتكييف الأجر هنا هو أجر احتباس، أي مقابل انشغال القارئ وتفرغه للتلاوة عن مصالحه الشخصية.
وينوه علماء الشريعة إلى أن أخذ الأجرة على تعليم القرآن، والرقي، ونسخ المصاحف، أو قراءة القرآن، أمر جائز، ولا ينبغي اعتباره بدعة أو محرّمًا.
وفي الجانب التنظيمي، تؤكد الفتوى ضرورة الالتزام بشروط الجهات المختصة في إصدار التصاريح لإقامة السرادقات وقراءة القرآن، مع مراعاة عدم التصرف في أموال التركة على هذه المصاريف إلا بعد موافقة الورثة، حفاظًا على حقوق الجميع، خصوصًا القصّر.
وفي ختامها، تحث الفتوى الجميع على عدم التضييق على الناس في إقامة هذه الممارسات المشروعة التي وسعها الإسلام، مع التأكيد على أن الهدف يجب أن يكون نية إقامة سنة العزاء، والتوسل إلى الله بالقرآن من أجل الميت، لا المباهاة أو التفاخر.
كما توصي الفتوى الحضور بضرورة الإنصات والخشوع أثناء تلاوة القرآن، احترامًا لكتاب الله وتعظيمًا لثوابه، مما يعزز روح المواساة والتآزر بين أهل الميت والمعزين.
بهذا توضح الفتوى أن قراءة القرآن في المآتم وأخذ الأجرة عليها من الأمور الشرعية التي لها أصل ثابت في السنة النبوية، وعادة مسنونة، وأن وصفها بالبدعة ليس إلا تضييقًا على ما أباحه الله ورسوله، الأمر الذي يجب أن ينأى المسلمون عنه في تعاطيهم مع شعائر دينهم.