ما حكم زيارة قبر الوالدين يوم الجمعة وقراءة القرآن لهما؟

في كل أسبوع، يتجه كثير من الأبناء إلى المقابر يوم الجمعة، قاصدين زيارة قبور آبائهم وأمهاتهم، حاملين في قلوبهم مشاعر الوفاء والدعاء، وراجين أن ينال والدوهم رحمةً ومغفرةً من الله تعالى وفي هذا السياق أوضحت دار الإفتاء أن بر الوالدين من أعظم الواجبات الشرعية التي أوجبها الله تعالى على عباده، وهو فرض عينٍ على كل مسلم ومسلمة، لا يسقط بحالٍ من الأحوال، ولا يقبل فيه الإنابة أو النيابة. فقد نصَّ الفقهاء على أن طاعة الوالدين وبرَّهما عبادة شخصية لا يمكن أن يقوم بها أحد عن أحد؛ قال العلَّامة برهانُ الدين بن مازه البخاري الحنفي في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (5/ 386، ط. دار الكتب العلمية):
[وطاعةُ الوالدين وبِرُّهُما فرضٌ خاصٌّ لا يَنُوبُ البعضُ فيه عن البعض] اهـ.
البر لا يتوقف على حياة الوالدين
برُّ الوالدين لا يقتصر على حياتهما فقط، ولا يختص بزمانٍ أو حالٍ معين، بل يظل واجبًا على الولد في حياة والديه وبعد وفاتهما. فإذا قصَّر الإنسان في حياتهما فعليه أن يسعى إلى برِّهما بعد وفاتهما، على أقل تقدير بالدعاء لهما، وتنفيذ وصاياهما، وصلة أرحامهما، وزيارة قبريهما، وكل ما يدخل في أبواب البر.
زيارة القبور من صور البر المشروعة
من أعظم صور البر بعد وفاة الوالدين: زيارة قبريهما والدعاء لهما، وهي سنة مشروعة دلَّت عليها النصوص الصحيحة. فقد روى ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
«نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ، فَزُورُوهَا، فَإِنَّ فِي زِيَارَتِهَا تَذْكِرَةً»
رواه أبو داود والبيهقي في سننهما.
فالزيارة ليست مجرد عادة اجتماعية، وإنما هي عبادة تذكِّر المسلم بالآخرة، وتُحيي في قلبه معاني الوفاء والدعاء للأبوين.
قراءة القرآن للوالدين بعد وفاتهما
كما أن من صور البر بعد الممات: قراءة القرآن وإهداء ثوابه لهما، وقد جاءت أحاديث صحيحة صريحة في ذلك. فقد روى عبد الرحمن بن العلاء بن اللَّجْلَاجِ عن أبيه رضي الله عنهما قال:
قال لي أبي -اللَّجْلَاجُ أبو خالد–: “يا بُنَيَّ، إذا أنا متُّ فأَلْحِدْني، فإذا وضَعْتَني في لَحدي فقل: باسم الله، وعلى مِلَّة رسول الله، ثم سُنَّ عليَّ التراب سنًّا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها؛ فإني سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولُ ذلك”.
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير. وقال الهيثمي: رجاله موثوقون. وقد روي هذا الحديث موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنهما كما أخرجه الخلَّال في جزء القراءة على القبور، والبيهقي في السنن الكبرى، وحَسَّنه النووي وابن حجر.
النصوص الواضحة في مشروعية القراءة عند القبر
وروى ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ فَلَا تَحْبِسُوهُ، وَأَسْرِعُوا بِهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَلْيُقْرَأْ عِنْدَ رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَبْرِهِ»
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، والبيهقي في شعب الإيمان. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: إسناده حسن.
وفي بعض الروايات جاء لفظ: «بفاتحة البقرة» بدلًا من «فاتحة الكتاب». وهذا كله يدل على أن قراءة القرآن عند القبور سنة حسنة، مشروعة، ويصل ثوابها إلى الميت، فيكون الولد بذلك بارًا بوالديه حتى بعد وفاتهما