عاجل

لا يزال كثير من الناس في مصر، رغم التقدم العلمي والثورة المعلوماتية، يلجؤون إلى من يطلقون عليهم "معالجين روحانيين" أو "شيوخًا يفكون الأعمال"، مدفوعين بالخوف، أو الحاجة، أو حتى الرغبة في التمسك بأمل زائف. تحت لافتات مثل "رد المطلقة" أو "جلب الحبيب" أو "فك السحر"، يختبئ دجالون محترفون، يمارسون الخداع العلني مقابل أموال قد تكون آخر ما يملكه الضحية. ما يبدو للكثيرين شأناً شخصياً أو اعتقادًا خاصًا، هو في الواقع جريمة مكتملة الأركان، تستغل جهل البسطاء، وتضرب ثقة الناس في أنفسهم ومجتمعهم، وقد تترك آثارًا نفسية ومالية مدمّرة.

القانون المصري، وإن لم ينص صراحة على تجريم "الشعوذة" كمصطلح مستقل، إلا أنه يتعامل مع هذه الأفعال تحت طائلة النصب والاحتيال. فبحسب المادة 336 من قانون العقوبات، يُعاقب بالحبس كل من يستولي على مال الغير بطريق احتيالي، وهو ما ينطبق تمامًا على الدجال الذي يوهم الناس بقدرات لا يملكها. وإذا ادّعى هذا الشخص أنه يعالج أو يُشخّص حالات متعلقة بـ"السحر" أو "المسّ"، فيمكن اتهامه أيضًا بمزاولة مهنة الطب دون ترخيص، وهي جريمة قائمة بذاتها. وفي بعض الحالات التي يتضمن فيها نشاط الدجال طقوسًا تمس القيم الدينية أو تُحرّف النصوص، قد يتهم  كذلك بجريمة ازدراء الأديان أو نشر أفكار مضلّلة.

ويمكن لأي مواطن أن يتقدّم ببلاغ رسمي إلى النيابة العامة أو قسم الشرطة ضد أي شخص يتقاضى أموالًا مقابل مثل هذه الممارسات، خاصة إذا توفرت أدلة مثل تحويلات بنكية، إيصالات، رسائل مكتوبة، أو شهود على الواقعة. القانون لا يشترط قيمة المبلغ لفتح التحقيق، فالعبرة بقيام الفعل الاحتيالي وليس بحجمه. كما أن رضا الضحية بالدفع لا يُسقط الجريمة، طالما ثبت أن الطرف الآخر قدّم وعودًا زائفة بقصد الكسب غير المشروع.

المشكلة لا تكمن في غفلة القانون، بل في تساهل المجتمع، وفي القبول الصامت لهذه الظواهر التي تختبئ تحت غطاء الدين أو التراث. مواجهة الدجل لا تتطلب فقط نصًا قانونيًا، بل وعيًا مجتمعيًا قادرًا على التمييز بين الدين الحقيقي وتجار الأوهام، بين من يواسي الناس ومن يستغلهم. فالدجال لا يملك شيئًا سوى الكلمات، لكنه قد يسلب بها عقولًا وبيوتًا، ما لم نواجهه بالقانون والعقل معًا.

تم نسخ الرابط