عاجل

لبنان... قيادة إصلاحية تواجه تحديات الداخل ونفوذ حزب الله

علم لبنان
علم لبنان

للمرة الأولى منذ 1958، يشهد لبنان انفراجة سياسية واقتصادية حقيقية بعدما برزت شخصيتان لبنانيتان خدمتا بلدهما بكفاءة على مدى سنوات عديدة، هما: الجنرال جوزيف عون، قائد الجيش اللبناني السابق الذي يشغل الآن منصب الرئيس، ونواف سلام، سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة الذي سيتولى منصب رئيس الوزراء.

ولأول مرة في تاريخ لبنان الحديث يتولى زمام السلطة ثنائي إصلاحي متناغم فكريا، ومتوحد على هدف رئيسي وهو إعادة السيادة لأرضه وإطلاق برنامج إصلاحي حقيقي، وهو ما يمهد الطريق لحقبة يمكن أن تبدأ في إعادة تأهيل نظام مشلول، واقتصاد محطم، وأمة جريحة بعمق لكنها تملك إمكانيات هائلة.

ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، اليوم الجمعة، تقريرًا تحت عنوان "نجاح لبنان يعتمد على تهميش حزب الله"، قالت فيه إن حركة حزب الله هي الطرف الخاسر الوحيد في المشهد اللبناني الجديد.

تقول المجلة إنه "كما فعل اللبنانيون قبل 67 عامًا، اختاروا رئيسهم من صفوف الجيش. فقد فقدوا الثقة في أي من المرشحين الآخرين والوجوه المعتادة للنظام الإقطاعي القديم  واعتبروا عون شخصية مستقلة وغير متحزبة تفوقت في مهمتها بإصلاح الجيش اللبناني ويمكن أن تقود تغييرًا حقيقيًا في السياسة. وكما حدث عام 1958، عندما انتخب المشرعون اللبنانيون فؤاد شهاب رئيسًا، يأتي عون إلى الرئاسة في أوقات عصيبة تمر بها البلاد والمنطقة بشكل عام. آنذاك، كان اللبنانيون منقسمين بمرارة حول الاتجاه السياسي والتوجه الخارجي لبلدهم، ما أدى إلى اشتباكات في الشوارع".

انقسام وإجماع

لا يزال اللبنانيون منقسمين، لكنهم وجدوا إجماعًا على عون، الذي لم يُظهر أي اهتمام بدخول الساحة السياسية حتى أصبح واضحًا أنه المرشح الوحيد الذي لديه أمل في قبول واسع من قبل الشعب اللبناني والقوى الأجنبية.

بلا شك، الولايات المتحدة هي الأكثر نفوذًا من بين هذه القوى في لبنان، ودبلوماسيتها الأخيرة لعبت دورًا أساسيًا في تحقيق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل بعد صراع مدمر استمر أكثر من عام، بالإضافة إلى دفع العملية الانتخابية في بيروت إلى الأمام.

الخاسر الأكبر

أما بالنسبة لحزب، فهو بلا شك الخاسر الأكبر في ظل الحكومة الجديدة، بيد أن عون  يمثل نقيض كل ما يمثله حزب الله: فهو باني دولة، وصرح في شهادته العامة أنه ملتزم بمكافحة الفساد وجعل الجيش القوة الشرعية الوحيدة في البلاد.

أكد التقرير أن عون يحظى بتأييد واشنطن وإعجاب القيادة العسكرية الأمريكية، وهو ما يجعله أقل جاذبية بالنسبة لحزب الله. فعلى مدار عدة سنوات، قاد عون إصلاحات كبيرة في الجيش اللبناني بالتعاون الوثيق مع الولايات المتحدة، وفي عام 2017، قاد الجيش في معركة لطرد مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي من لبنان، والأهم من ذلك، حوّل الجيش من مؤسسة متداعية إلى قوة قتالية محترفة. ومن المرجح أنه سيشرف على برنامج إصلاح الجيش اللبناني ويضمن استمراره، وهو ما سيخدم المصالح الأمريكية.

وأشار إلى أنه في حالة كان حزب الله متوجسًا من عون فإنه يعارض نواف سلام بشدة أكثر من عون. فسلام محامٍ مخضرم وقد أكسبته مهاراته ونزاهته منصب رئيس محكمة العدل الدولية. ومن المتوقع أن يلتزم بفرض سيادة القانون في لبنان وخارجه، ويسعى لاحترام لبنان للقرارات الدولية، بدءًا من القرار 1559 الذي يدعو إلى تفكيك وتسريح جميع المليشيات اللبنانية وغير اللبنانية داخل لبنان، والقرار 1701 الذي أنهى حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، ويتطلب مثل القرار 1559 نزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في البلاد. من الواضح أن هذا غير مقبول بالنسبة لحزب الله.

وقال التقرير إن قبول عون كان بمثابة صدمة مريرة، ولكن جاءت صدمة ترشيح سلام لتجعل الوضع أكثر صعوبة على الحزب. فقد عارض حزب الله بشدة سلام في السنوات الماضية وحرمه من رئاسة الوزراء بسبب مواقفه المناهضة للفساد ودعواته للعدالة والإصلاح.

بعد ضعف الحزب بشكل كبير نتيجة الحرب مع إسرائيل، لم يكن لدى حزب الله خيار سوى التنازل وقبول عون، على أمل أن يحتفظ نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بمنصبه كرمز للحرس القديم.

ومع ذلك، وفي لحظة نادرة من الوضوح السياسي، رفض البرلمانيون اللبنانيون ميقاتي وشكلوا تحالفًا كبيرًا بما يكفي لترشيح سلام. كيف اجتمع هذا الائتلاف—الذي كان يكره بعضه البعض وخاض صراعات مريرة لسنوات—من أجل إعلاء مصلحة الأمة في اللحظة الأخيرة.

ووصفت المجلة هذا الأمر بأنه "سيُخلد في التاريخ السياسي".

التحدي المباشر الذي يواجهه عون وسلام هو تشكيل حكومة تعبر عن تطلعات جميع اللبنانيين الذين يرغبون في بداية جديدة، فضلاً عن التعامل مع حزب الله المستاء، الذي يزعم أن تعيين سلام يتعارض مع روح الوحدة الوطنية، رغم أنه قانوني ودستوري تمامًا.

بحسب التقرير، فإن هذا الأمر هو في الأساس رسالة مشفرة تشير إلى احتمال أن يعارض حزب الله الحكومة المقبلة سياسيًا، وربما يلجأ إلى العنف. فعلى مر السنين، اتُهم حزب الله بعدة اغتيالات لمعارضيه الداخليين، بما في ذلك اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في عام 2005، وهو اغتيال هز العالم وأرسى هيمنة حزب الله على بيروت لمدة عقدين.

وفي 2008، وجه حزب الله أسلحته إلى الداخل بسبب خلافه مع حكومة فؤاد السنيورة بشأن قرار التحقيق في نظام الاتصالات الخاص بالحزب. في خطوة واحدة، سيطر مقاتلو حزب الله على غرب بيروت في مشاهد ذكّرت بالحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990. انتهت أزمة 2008 بتبني اتفاق الدوحة، الذي عزز نفوذ حزب الله في النظام السياسي اللبناني.

معضلة كبيرة

صحيح أن حزب الله اليوم ليس كما كان في ذلك الوقت، لكنه لم يُهزم تمامًا، ولا يزال مسلحًا وخطيرًا. خطة حزب الله للتعافي واستراتيجيته المستقبلية غير واضحة، لكنه يحتاج بشدة إلى تمويل دولي لإعادة بناء جنوب لبنان، والضاحية الجنوبية لبيروت، والمناطق الأخرى التي يعيش فيها أعضاؤه ومؤيدوه. ومع ذلك، لن يأتي هذا التمويل إذا قام الحزب بتخريب الحكومة المقبلة، مما يخلق معضلة كبيرة لقيادته الباقية.

واعتبرت المجلة أنه "ليس من واجب اللبنانيين أن يلبوا رغبات حزب الله أو شروطه. لقد اتبعوا العملية الديمقراطية وقاموا بكل شيء وفق الأصول. عند تشكيل الحكومة المقبلة، يجب أن يختار عون وسلام فقط وزراء ملتزمين بالإصلاح والعدالة وسيادة القانون. وهناك العديد من المرشحين الشيعة المستقلين الأكفاء لضمان الشمولية. ولكنهم لن يتمكنوا من تحقيق ذلك بمفردهم. مثل هذا النوع من القيادة اللبنانية الجريئة سيتطلب دعمًا مستمرًا من واشنطن والرياض، وإلا فقد يعيد التاريخ نفسه".

وخلص التقرير بالقول إنه يجب على الولايات المتحدة أن تتعلم من تاريخ تدخلها في لبنان. ففي 1958، طالبت الفصائل المناهضة للولايات المتحدة في لبنان بإزالة الرئيس كميل شمعون، الذي أراد تمديد فترة رئاسته، وسحب القوات الأمريكية من لبنان. وبعد أكثر من 25 عامًا، في عام 1983، انسحبت الولايات المتحدة بسرعة بعد أن فجر مسلحون ثكنة أمريكية، في يوم كان الأكثر دموية للبحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية.

أتاح هذا الانسحاب لإيران وسوريا وحزب الله تحويل لبنان إلى دولة تابعة، ملتزمة بتقويض المصالح الأمريكية واستقرار المنطقة.

لكن، وبحسب "فورين بوليسي"، هذه المرة، الولايات المتحدة لديها حلفاء حقيقيون في بيروت يتمتعون بدعم داخلي واسع وتفويض قوي للإصلاح. يمكنهم قيادة إعادة ولادة سياسية للبلاد وحرمان إيران من فرصة إعادة بناء نفوذها المزعزع للاستقرار في المشرق، خاصة الآن بعد انهيار نظام الأسد في سوريا المجاورة.
 

تم نسخ الرابط