صابرين أمين.. معلمة غزية تقاوم الدمار بإنارة عقول طلابها

تحولت حياة أهالي قطاع غزة إلى “هروب متواصل من الموت”، الذي تعددت أشكاله في أرضهم، فتارة يأتي على شكل جوع، وأخرى على شكل قصف، أو طلقات رصاص.
وبالرغم من الموت الذي يحاصر الجميع، وأن الطبيعة الإنسانية في هذا الوضع تدفع المرء إلى العكوف على محاولة النجاة، إلا أن الكثير سخروا حياتهم لغيرهم، ومنهم المعلمون الذين رفضوا، في ظل هذا الوضع، أن يتركوا رسالتهم التربوية وحرصوا على مواصلة إنارة عقول طلابهم.

مخيم الأرض الطيبة يكرم معلميه
وتكريمًا لتلك الجهود، نظم مخيم “الأرض الطيبة” احتفالًا بالعاملين في مدرسته - التي هي عبارة عن مجموعة خيام تحمل الاسم نفسه، أنشئت لمواصلة تعليم الطلاب بعدما قصف الاحتلال معظم المدارس والجامعات - مؤكدين أنهم “من قلب الموت سيحيون بالعلم”.

صابرين أمين: رسالتنا في التعليم لا تُهزم
وقالت الأستاذة صابرين أمين، المعلمة بالمدرسة: “بالرغم من مشاهد الركام والدمار، وبرغم ثقل الأيام التي عبرناها، جاء هذا التكريم ليضيء قلبي ويمنحني يقينًا أن رسالتنا في التعليم لا تُهزم”.
وأضافت “أمين” خلال حديثها مع “نيوزرووم”: “اليوم أشعر أنني أنتمي لوطن لا يزال يزرع الأمل في أرضٍ تحلم بالحياة”.
وأكدت المعلمة الفلسطينية: “رغم كل شيء، ورغم الحرب والدمار والنزوح الذي طال كل زاوية من حياتنا، بقيت رسالتي في التعليم تناديني” لافتة إلى أن: “نحن لا نُكرَّم فقط، نُكرَّم لأننا اخترنا أن نبقى واقفين رغم الانكسارات”.
وعبرت عن فخرها بهويتها ووظيفتها قائلة: “أنا فخورة أنني معلمة فلسطينية من غزة، أربي وسط الدمار، وأحمل الأمل في كل حصة وكل كلمة وكل طفل”.
وحرصت “أمين”، رغم نزوحها أكثر من مرة، وما تلاقيه من جوع كبقية أقرانها في الوطن، أو حياة مضنية في خيمتها التي لا تقي من حر أو برد، والإنهاك الذي تعانيه باستمرار، على مواصلة عملها لمساعدة الطلاب الذين يحاول الاحتلال الإسرائيلي تجهيلهم.
وعكف جيش الاحتلال الإسرائيلي على تدمير البنى التحتية لقطاع التعليم في غزة - التي بها نسبة أمية هي الأقل في العالم (2%)، ويحرص أهلها على العلم ويُقدّرون حامليه، وبها أكبر حملة دكتوراه ودراسات عليا في الوطن العربي - على تدمير المدارس والجامعات بشكل ممنهج؛ إذ وصلت نسبة المدارس المدمرة في القطاع إلى 95%، بينما 85% من مباني الجامعات باتت غير صالحة، ما حرَم نحو 700 ألف طالب وطالبة من حقهم في التعليم.
وصابرين أمين، ومثلها كثير من المعلمين والمعلمات، يحاولون تعويض شباب وطنهم عن ذلك الحق الذي هُدر في غزة إلى جانب عدة حقوق بسبب الاحتلال الغاشم.
وتدرك “أمين” وكثير من المعلمين أن الدمار الذي حل بالقطاع يمكن إعماره، بينما خراب العقول أخطر ما يمكن أن يحصل في ظل هذه المرحلة الحرجة من تاريخ فلسطين.
استهداف ممنهج للكوادر العلمية
و ذكر مركز الإحصاء الفلسطيني أن أكثر من 17 ألفًا و273 طالبًا في غزة استشهدوا في حرب الإبادة المستمرة، في حين يبلغ عدد الجرحى ومبتوري الأطراف نحو 26 ألفًا، بينما استشهد 741 كادرًا علميًا، وأُصيب نحو 3100 آخرين.
ولوحظ من بداية العدوان أن الاحتلال يلاحق الكوادر العلمية في غزة بغية إعاقة تطورهم ووقف نمو قدراتهم البحثية والابتكارية والقضاء على التقدم العلمي والفكري والمجتمعي بالقطاع.
كما تهدف إسرائيل من استهداف الكوادر العلمية، إلى عرقلة أي جهود للنهوض بهذه الأرض التي دمرتها، سعيًا منها لجعل غزة منطقة غير صالحة للحياة، مجردة من التعليم والصحة والمأوى، ليدفع السكان في النهاية إلى الرحيل من أرضهم ليغتصبها الاحتلال.
وتعلم صابرين وأقرانها من الكوادر العلمية من المعلمين والمعلمات أنهم ضمن دائرة الاستهداف، لكنهم يواصلون تأدية رسالتهم. وكما يقول الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان: “فلا تسل عن سلامته… روحه فوق راحته”.
فمن في غزة ليس مستهدفًا، أو لا تطاله يد الإجرام الإسرائيلية؟