حل معهد تكوين الأئمة.. ضربة استراتيجية لنفوذ الإخوان في فرنسا

في خطوة نوعية ضمن المعركة التي تخوضها فرنسا ضد تمدد جماعة الإخوان في أوروبا، وجّهت باريس ضربة قاصمة لما وصف بأنه من أخطر منصات التنظيم داخل أراضيها: المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية، المعروف بدوره في تكوين الأئمة والدعاة.
القرار لم يأتِ فقط كإجراء إداري، بل يُعد إعلانًا رسميًا عن نهاية مرحلة من اختراق الإخوان للمجتمع الفرنسي تحت لافتة "التعليم الديني"، بعد أن أثبتت التحقيقات أن المعهد كان واجهة لنشر الفكر المتشدد، وتبرير الجهاد المسلح، وإعداد أئمة يتماهون مع مشروع الإسلام السياسي.
لكنّ الخطوة التي تمثل تحولًا استراتيجيًا في نهج باريس بمواجهة التنظيم، فتحت الباب أمام مطلب أساسي وهو ضرورة إنشاء بدائل وطنية ورسمية لتكوين الأئمة والخطباء، تضمن تقديم خطاب ديني يتماشى مع قيم الجمهورية الفرنسية، وتُفقد الإخوان واحدة من أبرز أدوات قوتهم الناعمة في قلب أوروبا.
قرار حكومي حاسم
أعلن وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، خلال اجتماع مجلس الوزراء، الأربعاء الماضي حل المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية (IESH)، مؤكدًا أن القرار يأتي بعد تحقيقات استخباراتية أثبتت أن المعهد يروج لفكر متشدد، ويُشرعن الجهاد، ما يجعله منصة خطيرة لاختراق المجتمع الفرنسي تحت غطاء أكاديمي.
وبحسب مجلة "إنترفيو" الفرنسية، فإن حل المعهد يمثل "ضربة قوية" ضد محاولات اختراق الإسلام السياسي للمجتمع الفرنسي، وترتب عليه كالآتي:
- الإغلاق الفوري للمعهد
- وقف كافة أنشطته التعليمية
- تجميد أصوله المالية وأموال القائمين عليه وفقًا للإجراءات القانونية المعتمدة
وأوضحت المجلة أن هذه الإجراءات من خلالها شل واحدة من أبرز أدوات الإخوان التي كانت تُستخدم في بناء شبكة نفوذ ناعمة داخل فرنسا عبر تخريج الأئمة والدعاة.
أبعاد أوسع تتجاوز الإخوان
لم يقتصر القرار على مواجهة تنظيم بعينه، بل يعكس إدراك الدولة الفرنسية لحقيقة أوسع، وهي الحاجة الملحة إلى تأسيس بدائل وطنية لتكوين القيادات الدينية، تضمن أن يكون الخطاب الديني منسجمًا مع مبادئ الجمهورية، وبعيدًا عن تأثيرات أيديولوجيات عابرة للحدود.
وفي هذا السياق، قال الإمام حسن شلغومي، المعروف بمناهضته للتطرف: "الجمهورية الفرنسية حققت انتصارًا كبيرًا ضد مشروع الإخوان"، مشيدًا بجهود وزير الداخلية لـ"حماية قيم فرنسا والمسلمين المعتدلين من هذا الخطر المحدق".
متى تم تأسيس المعهد؟
تأسس المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية عام 1992، وقدم نفسه كمؤسسة تعليمية تُعنى بتدريس العلوم الإسلامية واللغة العربية. إلا أن تقارير استخباراتية فرنسية كشفت طابعه الأيديولوجي منذ سنوات، ما جعله في دائرة الشبهات الرسمية.
ويحمل القرار في طياته رسائل سياسية واضحة مفادها أن فرنسا لن تتهاون مع أي محاولة لتحويل الدين إلى أداة سياسية تهدد أسس الجمهورية، مع توجه الحكومة واضح في تطويق نفوذ الإسلام السياسي بكل أشكاله، حيث إن المواجهة لم تعد مقتصرة على حل الجمعيات المشبوهة، بل امتدت إلى المؤسسات التعليمية التي تتخذ غطاءً أكاديميًا لنشر التطرف
وكانت السلطات الفرنسية قد أقدمت في أبريل الماضي على حل جمعيتي Israel United in Christ وSciences et Éducation، في إطار الحملة المستمرة لتفكيك البنى التحتية الفكرية والتمويلية للإسلام السياسي.
هل انتهى نفوذ الإخوان؟
رغم قوة القرار، إلا أن المعركة مع جماعة الإخوان في فرنسا لا تزال مستمرة، حيث تحذر تقارير أمنية من وجود شبكات موازية تعمل على تكييف خطابها، والتسلل مجددًا عبر منصات جديدة.
ومع ذلك، فإن إغلاق هذا المعهد يُشكل سابقة قانونية وأمنية، وقد يمهد الطريق لسياسات أوسع، تهدف إلى بناء منظومة وطنية مستقلة لتأهيل الأئمة والخطباء، تضع حداً لعقود من التأثير الإخواني الناعم في فرنسا.