عاجل

بعد تصنيف مصر في المركز 135 عالميًا.. هل تعكس معايير مؤشر السعادة الواقع الفعلي؟

السعادة
السعادة

تصدّرت الإمارات العربية المتحدة قائمة الدول العربية الأكثر سعادة، حيث احتلت المرتبة 21 عالميًا في تقرير السعادة العالمي 2025، متقدمةً على العديد من الدول الكبرى، بينما جاءت مصر في المركز 135.
 

واستند التقرير الذي أُجري بالشراكة مع شركة جالوب الأمريكية وشبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، إلى مجموعة من العوامل، مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الدعم الاجتماعي، متوسط العمر الصحي المتوقع، الحرية، الكرم، وإدراك الفساد.

تقرير السعادة العالمي 2025

وعلى مستوى التصنيف العالمي، حافظت فنلندا على صدارة قائمة أسعد دول العالم للعام الثامن على التوالي، تليها الدنمارك، أيسلندا، والسويد فيما شهدت القائمة دخول كل من كوستاريكا والمكسيك ضمن العشرة الأوائل لأول مرة، حيث احتلتا المركزين السادس والعاشر على التوالي.

 وتراجعت الولايات المتحدة، إلى المرتبة 24، وهو أدنى تصنيف لها على الإطلاق منذ بدء التقرير، بعد أن كانت في المركز 11 عام 2012.

فيما يتعلق بالدول العربية، جاءت الإمارات في المركز الأول عربيًا، تليها الكويت في المرتبة 30، ثم السعودية في المرتبة 32، وعُمان في المركز 52، والعراق في المركز 101، وفلسطين في المركز 108، والمغرب في المركز 112، وتونس في المركز 113، بينما حلّت مصر في المركز 135.

تصنيف الدول الأكثر تعاسة

 وفي تصنيف الدول الأكثر تعاسة، فقد احتلت أفغانستان المرتبة الأخيرة عالميًا، تلتها سيراليون ثم لبنان، الذي جاء في المركز الثالث من الأسفل.

وأكد التقرير أن السعادة لا تعتمد فقط على العوامل الاقتصادية، بل تشمل أيضًا مستوى الثقة بين الأفراد، قوة الروابط الاجتماعية، ومدى الشعور بالدعم من الآخرين. 

ووفقًا لجون كليفتون، الرئيس التنفيذي لجالوب، فإن السعادة ترتبط بالتواصل الاجتماعي بقدر ارتباطها بالثروة والنمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن المجتمعات التي تشهد دعمًا متبادلًا بين أفرادها تتمتع بمعدلات سعادة أعلى. كما أوضح التقرير أن الإيمان بلطف الآخرين يلعب دورًا محوريًا في تحقيق السعادة، وهو ما يجعل دول الشمال الأوروبي تتصدر القائمة باستمرار.

وهو ما أثار تساؤلات حول معايير التصنيف ومدى انعكاسها على الواقع الفعلي لمواطني تلك الدول.

تقول الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية في جامعة عين شمس، إن الدراسات الغربية التي تركز على المجتمعات العربية ومنها المجتمع المصري لا يمكن اعتبارها دقيقة تمامًا أو صادقة مئة بالمئة. 

وأضافت خضر في تصريحات لـ "نيوز رووم"، أن تجربتها الشخصية في فرنسا جعلتها تدرك أن العديد من الدراسات التي تصدرها بعض الهيئات والمنظمات قد تهدف إلى جذب الانتباه وإحداث تأثير إعلامي، لكن قد تكون النتائج غير دقيقة بسبب اختلاف العادات والتقاليد بين الدول.

وتابعت: "السعادة في المجتمعات الغربية قد تتمثل في السهر، والتعرف على أشخاص جدد، والسفر، بينما في مصر نجد أن السعادة ترتبط بالأسرة والدفء العائلي، وهو ما يفتقر إليه الكثيرون في الغرب، حيث لا توجد الروابط الأسرية القوية نفسها كما في مصر".

وأكملت خضر، أن الدراسات التي تُجريها بعض المؤسسات الغربية حول المجتمع المصري غالبًا ما تفتقر إلى فهم عميق للثقافة المحلية، مشيرة إلى أن الغرب لا يستطيع أن يفهم المجتمع المصري مثلما يفهمه أبناؤه، مؤكدة أن العادات والتقاليد المصرية، مثل الترابط الأسري العميق بين الأبناء وأسرهم، شيء يقدره الغرب بشدة ويميلون إلى التمني أن يمتلكوا علاقات أسرية مشابهة لتلك التي يتمتع بها المصريون.

وأشارت أستاذ علم الاجتماع إلى أنه في المجتمعات الغربية، لا توجد نفس الروابط العائلية الحميمية، حيث يكبر الأبناء في بيئة تشجعهم على الاعتماد على أنفسهم منذ سن مبكرة، على عكس ما يحدث في مصر حيث يستمر الترابط العائلي في مرحلة البلوغ، موضحة أن هذه الفروق الثقافية تجعل من غير الممكن الوثوق الكامل في نتائج الدراسات التي تُجرى في بيئات تختلف بشكل كبير عن البيئة المصرية.

وفيما يخص التقارير والدراسات التي تصدر من الخارج، أكدت أنه لا يمكن اعتبارها دائمًا صادقة أو دقيقة، بل يجب أن تكون مصحوبة بفهم عميق للواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع المستهدف.

وأكد الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن السعادة شعور لحظي يختلف من شخص لآخر، فقد تكون نتيجة مكالمة هاتفية، أو مقابلة شخص عزيز، أو تناول وجبة مفضلة، أو مشاهدة مشهد ممتع، أو حتى سماع صوت معين. 

وأضاف استشاري الطب النفسي في تصريحات لـ "نيوز رووم"، أن السعادة لا يمكن قياسها بشكل ثابت أو تعميمها على الشعوب، فلا يمكن القول إن شعبًا بأكمله سعيد أو تعيس، لأن المشاعر الإنسانية بطبيعتها متغيرة.

وتابع فرويز أن معظم التصنيفات العالمية التي تقيس معدلات السعادة بين الدول تعتمد على معايير مادية بحتة، مثل مستوى الدخل وتوافر الخدمات الأساسية، دون النظر إلى العوامل العاطفية والاجتماعية، مستشهدا بدول مثل اليابان وسويسرا، التي تُصنف من بين الأعلى في معدلات الرفاهية لكنها تسجل أيضًا نسب انتحار مرتفعة، وهو ما يعكس أن توفير سبل الحياة المادية لا يعني بالضرورة تحقيق السعادة.

وأشار فرويز، إلى أن المجتمع المصري كان يتمتع بعاطفة قوية وسعادة داخلية حتى سبعينيات القرن الماضي، لكن مع ظهور الجماعات وانتشار الأزمات، تراجعت هذه المشاعر بشكل ملحوظ، مؤكدا أن لحظات السعادة لا تزال موجودة في حياة المصريين، مثل تجمع العائلات في المناطق البسيطة، حيث تسود أجواء الضحك والمرح رغم بساطة العيش.

وشدد فرويز على أن تقارير تصنيف السعادة العالمية قد تكون أداة للتأثير على المجتمعات، معتبرًا أن بعض الجهات الأمنية والاستخباراتية قد تستخدم هذه المؤشرات لخلق حالة من التشويش وعدم الاستقرار داخل الدول.

من جانبها قالت الدكتورة سحر عبداللطيف، استشارية الطب النفسي والأسري، إن الشعور بالسعادة له أهمية كبيرة على مستوى الأفراد والمجتمعات، حيث يتمتع الأشخاص السعداء بصحة جيدة، ويكونون أكثر إنتاجًا، ولديهم علاقات اجتماعية قوية، مما ينعكس إيجابيًا على أسرهم والمجتمع بشكل عام.

وأوضحت استشارية الطب النفسي والأسري في تصريحات لـ "نيوز رووم"، أن الدول التي تحظى بمعدلات سعادة مرتفعة تكون غالبًا أكثر استقرارًا وديمقراطية، كما يتمتع اقتصادها بالقوة، مضيفة أن تراجع مستوى السعادة في مصر قد يكون مرتبطًا بالظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد في الفترة الأخيرة.

وأشارت إلى أن الأفراد الذين يشعرون بالسعادة والراحة النفسية يكونون أكثر إنتاجية، كما تقل لديهم المشكلات الصحية والنفسية، مما يؤدي إلى خفض تكاليف الرعاية الصحية، وهو ما يعزز النمو الاقتصادي بشكل غير مباشر.

ولفتت إلى ضرورة البحث عن حلول بسيطة لتحسين مؤشر السعادة في مصر، من خلال التركيز على تحقيق الاستقرار، وتقديم المصالح القومية على المصالح السياسية أو الشخصية، مع استبعاد أي عوامل قد تؤثر سلبًا على الصحة أو الاقتصاد.

وفيما يخص معايير قياس السعادة، أوضحت أن الإنتاج والصحة هما العاملان الأساسيان في تحديد ترتيب الدول في مؤشر السعادة العالمي.

وأبدت سحر عبداللطيف تحفظها على طريقة قياس المؤشر، موضحة أن التعميم بناءً على عينات عشوائية قد لا يكون دقيقًا، إذ لا يمكن تقييم مجتمع كامل من خلال مجموعة محدودة من الأفراد، مؤكدة ضرورة أخذ عينات واسعة ومتنوعة للحصول على نتائج أكثر دقة.

تم نسخ الرابط