عاجل

من الانتقادات والتهديدات إلى تكريم الأبطال

بين دموع ماراكانا وابتسامة لوسيل.. ميسي يُحول معاناته إلى مجد حقيقي

ليونيل ميسي
ليونيل ميسي

لطالما شكّلت مسيرة ليونيل أندريس ميسي مع منتخب الأرجنتين واحدة من أكثر الحكايات الدرامية في تاريخ كرة القدم، فعلى الرغم من عظمة إنجازاته مع فريق حياته برشلونة ، حيث حصد كل الألقاب الممكنة، إلا أن رحلته الدولية مع راقصي التانجو بدأت بمزيج من الضغوط، الانتقادات، وخيبات الأمل، قبل أن تتحول لاحقًا إلى قصة ملحمية ختمها بأعظم تتويج ممكن، رفع كأس العالم في قطر عام 2022.

 

 

بداية مُربكة وسط مقارنات قاسية

ظهر البولجا لأول مرة بقميص منتخب الأرجنتين الأول عام 2005، بعد أن اختار تمثيل “الألبيسيليستي” بدلًا من إسبانيا التي حاولت إقناعه باللعب تحت ألوانها، ورغم موهبته الاستثنائية، وجد نفسه منذ اللحظة الأولى في مواجهة ضغط هائل من الجماهير ووسائل الإعلام، الذين لم يتوقفوا عن مقارنته بالأسطورة الراحلة دييجو مارادونا، بطل مونديال 1986 وصانع الفرح الكروي للأرجنتينيين.

خاض ليونيل نهائيات كأس العالم 2006 بألمانيا وهو في سن المراهقة، ثم كأس العالم 2010 بجنوب إفريقيا تحت قيادة مارادونا نفسه، لكن الخروج القاسي أمام ألمانيا برباعية شكل ضربة معنوية موجعة، ومع مرور السنوات، بدأت صورة “العبقري الذي يفشل دوليًا” تترسخ في أذهان جماهير الأرجنتين.

نهائيات ضائعة وحلم يتبخر

بلغت معاناة البولجا ذروتها بين عامي 2014 و2016، ففي مونديال البرازيل عام 2014 قاد الأرجنتين إلى النهائي أمام ألمانيا، وقدم أداءً بطوليًا طوال البطولة، لكنه خسر الكأس في الوقت الإضافي بعد هدف ماريو جوتزه، ورغم حصوله على الكرة الذهبية كأفضل لاعب في البطولة، اعتبر كثيرون ذلك جائزة ترضية، بينما وجهت إليه أصابع الاتهام بعدم قدرته على حسم الألقاب.

ولم تقف الخيبات عند ذلك الحد، ففي كوبا أمريكا 2015 خسر النهائي أمام تشيلي بركلات الترجيح، ثم عاد ليخسر مجددًا أمام المنتخب ذاته، بقيادة أليكسيس سانشيز و أرتورو فيدال، وبنفس الطريقة في نسخة 2016 بالولايات المتحدة، لحظة سقوطه باكيًا على أرض الملعب بعد إهدار ركلة ترجيحية، أصبحت أيقونة لمعاناته الدولية.

تحت وقع هذه الضغوط، أعلن ليونيل ميسي اعتزاله اللعب الدولي في صيف عام 2016، في خطوة هزّت الأرجنتين،حيث انقسمت الجماهير بين من اتهموه بالخيانة و الجُبن، ومن توسّلوا إليه بالعودة، وصلت الأمور إلى حد حرق قميصه رقم 10 في شوارع بوينس أيرس، وتوجيه التهديدات له ولأسرته، في مشهد مؤلم يعكس حجم القسوة التي تعرض لها أفضل لاعبي جيله.

العودة من الاعتزال وبداية التحول

تحت ضغط جماهيري ورسمي، عاد البولجا سريعًا من اعتزاله، لكن خيبات الأمل استمرت مع خروج مبكر من كأس العالم 2018 بروسيا، و بدا أن اللعنة مستمرة، وأن الحلم الكبير سيرحل معه، غير أن القدر كان يعد له مسارًا آخر، بقدوم المدرب ليونيل سكالوني في عام 2019، الذي اعتمد على جيل شاب متعطش، منح ميسي دور القائد الملهم بدلًا من النجم المُثقل بالمسؤوليات.

مع مرور الوقت، تكوّنت حوله مجموعة متناغمة من اللاعبين، أبرزهم رودريجو دي باول، لاوتارو مارتينيز، ولياندرو باريديس، بالإضافة لرفبقه منذ الصغر" أنخيل دي ماريا" حيث شكلوا معه نواة جديدة وضعت هدفًا واحدًا، هو "إعادة الأرجنتين إلى قمة المجد".

كوبا أمريكا 2021.. نهاية اللعنة

في صيف 2021، استضافت البرازيل بطولة كوبا أمريكا وسط ظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا، دخل ميسي البطولة بتصميم مختلف، وقدم أداءً استثنائيًا عبر تسجيل الأهداف وصناعتها، لكنه هذه المرة كان يلعب بروح جماعية غير مسبوقة.

وجاءت اللحظة الفارقة في النهائي أمام البرازيل على ملعب “ماراكانا” الشهير، هدف أنخيل دي ماريا منح الألبيسيليستي" الفوز الغالي، وأخيرًا تحقق الحلم، ميسي يرفع أول لقب دولي كبير مع منتخب بلاده، المشهد كان تاريخيًا، إذ شوهد اللاعبون يحملون قائدهم على الأكتاف وسط دموعه، فيما اعترفت الصحافة العالمية بأن اللقب حمل معنى أكبر من مجرد بطولة قارية.

كأس العالم 2022.. التتويج الأعظم

لكن القصة لم تتوقف عند كوبا أمريكا، فبعد عام واحد فقط، وصل ميسي ورفاقه إلى قطر لخوض كأس العالم 2022، ومعهم ثقة مختلفة تمامًا، و رغم البداية الصادمة بالخسارة أمام المنتخب السعودي، أظهر المنتخب الأرجنتيني شخصية البطل، فعاد بقوة وبلغ النهائي بعد سلسلة من العروض المبهرة.

في المشهد الختامي أمام فرنسا" حامل اللقب" انذاك، عاش العالم واحدة من أعظم المباريات في تاريخ كرة القدم، سجل ميسي هدفين، وقاد فريقه بروح قتالية مذهلة، قبل أن يحسم “التانجو” اللقب بركلات الترجيح، لحظة رفع ميسي الكأس في “لوسيل” أمام أنظار الملايين حول العالم، كانت تجسيدًا لملحمة كروية خالدة، من اليأس والاعتزال إلى قمة المجد.

إرث خالد ورسالة للأجيال

برفعه لكأس العالم، أزاح ميسي آخر شكوك حول مكانته كأحد أعظم اللاعبين في التاريخ، وربما الأعظم على الإطلاق، مسيرته الدولية التي بدأت بصافرات استهجان بل و تم اتهامه بالخيانة، تحولت إلى أسطورة ملهمة تُدرّس للأجيال القادمة عن الصبر، الإصرار، و كذلك القدرة على تحويل الانكسار إلى أعظم انتصار.

اخيرًا، ومع ستة ألقاب دولية بمختلف الفئات العمرية، يقف ليونيل ميسي رمزًا لأمته، وقدوة لكل لاعب صغير يحلم أن يحول دموعه إلى ابتسامة، وهزائمه إلى أمجاد، إنها ملحمة لا تخص البولجا وحده، بل تعكس روح كرة القدم نفسها، "اللعبة التي تمنح فرصة ثانية دائمًا لمن يتمسك بحلمه"

تم نسخ الرابط