تواجه مصر شأنها شأن العديد من دول العالم تحديات بيئية متصاعدة ترتبط بشكل مباشر بتغير المناخ واستنزاف الموارد الطبيعية وتدهور جودة الهواء والمياه والتصحر وارتفاع درجات الحرارة وهي تحديات لا تقف عند حدود البيئة الطبيعية فقط بل تمتد إلى الأمن الغذائي والصحة العامة والاستقرار الاجتماعي وهو ما يجعل من الإدارة البيئية قضية مركزية تتطلب تفعيلًا حقيقيًا لمفاهيم الحوكمة والرقابة والمساءلة في إطار إداري فعّال ومتسق مع مبادئ التنمية المستدامة ويُقصد بالحوكمة الإدارية البيئية تلك المنظومة المؤسسية التي تهدف إلى تنظيم العلاقة بين أجهزة الدولة والمجتمع والمواطنين في ما يتعلق بالبيئة من خلال وضع السياسات وتطبيقها وتقييم نتائجها وفقًا لمبادئ الشفافية والمشاركة والمسؤولية والعدالة .
وفي هذا الإطار يبرز دور الرقابة الإدارية بوصفها أحد أهم أدوات التأكد من التزام الجهات الحكومية بالقواعد البيئية وتطبيق التشريعات والقرارات ذات الصلة ومحاسبة الجهات التي تُخل بواجباتها تجاه البيئة ولكن عند النظر إلى الواقع المصري نجد أن الحوكمة البيئية لا تزال تعاني من ضعف في البنية المؤسسية وتشابك الاختصاصات وغياب التنسيق بين الجهات المعنية فضلًا عن ضعف الشفافية في بعض القطاعات وغياب ثقافة المساءلة البيئية لدى الإدارات المحلية وهو ما يفرز بيئة إدارية عاجزة عن التعاطي الجاد مع التحديات المناخية وهو ما ينعكس على استمرار مظاهر التلوث وإهدار الموارد الطبيعية دون رادع إداري فعال .
ومن هنا تبرز الحاجة إلى تفعيل الرقابة الإدارية البيئية كمدخل جوهري لإصلاح الإدارة البيئية في مصر من خلال تطوير مهام الأجهزة الرقابية لتشمل متابعة الأداء البيئي للجهات الحكومية ومراجعة سياسات الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية ورصد مدى الالتزام بمعايير الانبعاثات والتصريفات الملوثة والتأكد من سلامة إجراءات التراخيص البيئية التي تمنح للمصانع والمنشآت والمشروعات الكبرى ويستلزم ذلك تطوير قدرات الجهات الرقابية من حيث الخبرة الفنية البيئية والتجهيزات التكنولوجية واعتماد مؤشرات واضحة لأداء الإدارات البيئية يمكن قياسها وتقييمها بشكل دوري كما ينبغي تعزيز آليات التعاون بين الأجهزة الرقابية والجهات الأكاديمية والمجتمع المدني بما يسمح بتكوين شبكة رقابية تشاركية تُمكّن من كشف أوجه القصور وتعزز ثقافة المحاسبة البيئية لدى صانع القرار كما أن الرقابة الإدارية يجب ألا تقتصر على المستويات المركزية بل يجب تفعيلها على المستوى المحلي من خلال تمكين الإدارات البيئية في المحافظات من أدوات الرصد والتدخل السريع مع منحها صلاحيات واضحة في متابعة المشروعات ذات الأثر البيئي المباشر ويُضاف إلى ذلك ضرورة إدماج الاعتبارات المناخية في جميع سياسات الدولة وليس فقط في وزارة البيئة بحيث تكون كل جهة حكومية مسؤولة عن أثرها البيئي وتخضع للمساءلة الإدارية في حال التقصير أو الإضرار بالبيئة إن تفعيل الرقابة الإدارية البيئية في مصر لا يمثل فقط استجابة للتزامات دولية أو ضغط بيئي متزايد بل هو ركيزة أساسية لبناء منظومة حوكمة بيئية رشيدة تضمن العدالة بين الأجيال وتحافظ على الموارد وتدفع نحو تحقيق تنمية شاملة لا تأتي على حساب المناخ أو صحة الإنسان .