عاجل

في عالم يزداد تعقيدًا وتنوعًا، تظهر قيمة التسامح كإحدى الركائز الأساسية لبناء مجتمع سليم ومتماسك، قادر على احتواء اختلافاته وتجاوز أزماته. لم يعد التسامح خيارًا أخلاقيًا فحسب، بل ضرورة اجتماعية وسياسية، تفرضها طبيعة الحياة المعاصرة وتعدد الثقافات والانتماءات الفكرية والدينية داخل المجتمعات.
التسامح: من مبدأ إنساني إلى أداة استقرار اجتماعي
يُعرف التسامح بأنه القبول بالآخر، واحترام التعددية، والقدرة على تجاوز الخلافات دون لجوء إلى نزاع أو إقصاء. هذه القيم، وإن بدت بسيطة نظريًا، إلا أن تطبيقها في الواقع يصنع فارقًا جوهريًا في مدى ترابط أي مجتمع وقدرته على التعايش السلمي.
للتسامح جذور راسخة في التاريخ والثقافة والدين، إذ حثّت الشريعة الإسلامية على "الرفق"، ودعت إلى "الصفح الجميل"، كما سجل التاريخ الإسلامي نماذج مشرّفة في التعايش مع أصحاب الديانات الأخرى تحت مظلة من العدالة والاحترام المتبادل.
انعكاسات التسامح على المجتمع
تشير دراسات اجتماعية إلى أن المجتمعات التي تتبنى سياسات تسامح فعّالة تشهد معدلات أقل من العنف، وتتمتع بتماسك اجتماعي أكبر، كما تنخفض فيها حدة الاستقطاب والتعصب.
لبناء جيل يؤمن بقيمة التسامح، لا بد ية والدينية في ترسيخ هذه الثقافة. تبدأ الرحلة من المدرسة، حيث يُعلَّم الطفل تقبُّل الاختلاف واحترام الآخرين، وتُستكمل عبر الإعلام الذي يملك القدرة على توجيه الرأي العام، وتعزيز الخطاب الإيجابي.
كما تلعب القيادة السياسية دورًا محوريًا في تبني خطاب معتدل، وفرض قوانين تجرّم الكراهية والتمييز، وتُعلي من شأن القيم الإنسانية المشتركة.
في زمن الاستقطاب والانقسام، يبقى التسامح الأمل الحقيقي في بناء مجتمعات قادرة على العيش المشترك، بعيدًا عن الكراهية والعداء. هو ليس ضعفًا، بل شجاعة حضارية تُترجم إلى وئام وسلام، وهما أساس كل تقدم وازدهار.
فلنجعل من التسامح قاعدة، لا استثناء... ومن الاحترام عادة، لا موقفًا عابرًا.

تم نسخ الرابط