أمر غزة لا يخص أهل غزة وحدهم، تعاطفك لوحده مش كفاية، لذا أصبح الوعى بالدائر من الأحداث والمسطور فى الوثائق والكتب ضرورة لا مفر منها.
يدهشنى أمر المواطن المصرى الذى يصدق بكل بساطة بأن خطأ حكم فى مباراة للأهلى والزمالك جزء من مؤامرة كونية على فريقه، كما يصدق بكل سلاسة أن فيديو لفتاة طائشة مثل هدير عبد الرازق جعل منها جمهور التيك توك نجمة شهيرة فى إطار خطواته التى صنع من خلالها من التوافه رموزا ونجوم، مؤامرة على المجتمع وأخلاقه، بينما نفس الناس ونفس الجمهور لا يرى بأن مايحدث فى غزة وفى سوريا وعلى حدود مصر الشرقية ومايقال فى تل أبيب والبيت الأبيض مؤامرة تطور ومؤامرة يعاد إحياؤها للنيل منه هو شخصيا .
عجيب أمر أهل مصر فى ذلك الأمر، يرون فى خطأ حكم مباراة كرة قدم مؤامرة لابد أن تصدق بوجودها، بينما مايحدث فوق الخريطة المشتعلة بنار التقسيم والتدمير أمرا لا يجوز أن تصفه بالمؤامرة وإن فعلت، فأنت بذلك إما تضحك عليه أو تستخدم المصلطلح لفزاعة .. هكذا علم الإخوان الناس فى مصر، حتى غابوا وعيبوا عن حقيقة التحديات التى تعيشها المنطقة كلها .
عادت إسرائيل إلى قصف غزة مجددا، بقسوة وعنف وإصرار وكأن حكومة نتنياهو تخبر الجميع بأن خطة الجنرالات لا تراجع عنها، وعلى الأرض يبدو ذلك واقعيا إلى حد كبير، دعك من تصريحات ترامب وستيف ويتكوف وركز على الأرض.
إسرائيل الأن قسمت قطاع غزة من خلال ممر نتساريم، أنشأت 18 قاعدة عسكرية .. مستمرة بفعل كل شئ لتهجير سكان شمال القطاع، وفى ظل انشغال الناس بما يحدث فى غزة كانت اسرائيل تضم أجزاء وأراضى كبيرة من الضفة .
يصاحب ذلك إصرار إسرائيلى أمريكى على تكرار مصطلح تهجير أهل غزة سواء قسريا بالحرب والعنف أو طوعيا بالتجويع والحصار، وكلما عاد الكلام عن التهجير، يعود النظر إلى شمال سيناء ، تل أبيب لا تتخلى عن أحلامها فيما يبدو .. عن المؤامرة القديمة ..
هل تتذكر ماحدث فى عام 1917؟
نعم وعود بلفور الخاص بتأسيس دولة يهودية فى فلسطين، الأن تخبرنا مجريات الأمور عبر عشرات السنين، بأن هذا كان ظاهر الوعد الإنجليزى للعصابات الصهيونية، أما بطانه وهدفه الخفى كان سيناء تحديدا.
لا تتعجب، الوثائق ستخبرك بكل شئ ، قبل وعد بلفوز بأربع سنوات، كانت هناك وثيقة بريطانية رسمية ،مذكرة استقبلها رئيس الوزراء البريطانى «لويد جورج» ، والمرسل كان مدير العمليات فى الشرق الأوسط الكولونيل «ريتشارد ماينر تزهاجن»، ملخص المذكرة كان الأتى: «ضم سيناء إلى فلسطين» حتى يكون هناك « حد فاصل»، أو بلغة إسرائيل الأن منطقة عازلة، والأحداث الأن تؤكد لك بأن أسرائيل تطبق بوتيرة سريعة سياسة المناطق العازلة فى غزة ولبنان وسوريا .
الوثيقة البريطانية التى يعود تاريخها إلى سنة 1921 كانت تقول بأن :" ضم سيناء يوفر اتصالا سهلا بالبحرين المتوسط والأحمر وقاعدة استراتيجية واسعة النطاق مع ميناء حيفا الممتاز.». وأن «من حسنات هذا الضم أنه سيحبط أى محاولة مصرية لإغلاق القناة فى وجه ملاحتنا، كما سيمكننا من حفر قناة جديدة».
تأمل ماورد فى هذه المذكرة الإنجليزية جيدا، ستفهم أن الإصرار الإسرائيلى والأمريكى لتفريغ قطاع غزة من سكان والقضاء على المقاومة الفلسطينية تماما، هدفا لا تبدو هناك نية فى التراجع عنه.
تسأل الأن وهل الردود المصرية المتعاقبة والرافضة للتهجير وتفريغ قطاع غزة من سكانه كافية ؟!
حسنا الرد المصرى قد يبدو لك من بعيد مجموعة من التحركات الدبلوماسية والتصريحات الحاسمة ، ولكن بعض من التأمل يكشف لك أن الرد المصرى على الأرض أقوى بكثير من كل تصريح وكل تحرك سياسى أو دبلوماسيى .
مصر قرأت المشهد مبكرا، ومنذ سنوات بدأت أكبر عملية تنمية شاملة فى سيناء كلها، وتحديدا فى شمال سيناء ، منذ 2014 مصر نفذت أكثر من 1000 مشروع فى مختلف المجالات سواء سكنية أو زراعية أو صناعية ، وتلك الرسالة من يعمر أرضه بالتنمية لن يتخلى عن شبر واحد منها .
مصر نفذت أكتر من 32 مشروع فى رفح و23 فى الشيخ زويد و98 مشروع فى العريش و72 فى بئر العبد و50 مشروع فى الحسنة و27 مشروع فى نخل ، بنظرة سريعة يمكنك القول بأن مصر بتعيد بناء وتعمير وتنمية سيناء كلها عبر 225 مشروع تعليمى و33 مشروع صحى و114 مشروع خدمات عامة متعلقة بالشباب والرياضة والتضامن الإجتماعى والبريد ودور العبادة، بخلاف 148 مشروع زراعى مابين محطات تحلية مياه واستصلاح أراضى منها مثلا منطقة 109 فدان فى رفح والشيخ زويد ، بالإضافة إلى الألاف من الوحدات السكنية على أطراف حدودنا الشرقية ، مع أكثر من 29 مشروع صناعى من ضمنهم 11 مشروع فى رفح والشيخ زويد ، بخلاف شبكة الطرق وخط السكة الحديد من أجل أن يكون الربط مابين سيناء والدلتا على أعلى مستوى
تلك رسالة القاهرة للجميع ، اغرقوا كما تريدون فى أوهام وأحلام مخطط التهجير ، وحينما تستيقظون ستكون سيناء عامرة بأهلها وبالتنمية