دعم وإخفاقات.. ماذا وراء زيارة ماكرون إلى لبنان؟

بعد أربع سنوات من محاولات غير مثمرة للإصلاح في بيروت، يعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بلد أصبح الآن في وضع سياسي أكثر استقرارًا، فقد وصل ماكرون، اليوم الجمعة، إلى لبنان في زيارة رسمية تهدف إلى تهنئة الرئيس اللبناني الجديد جوزيف عون على انتخابه، ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام بعد تعيينه، كما تهدف هذه الزيارة إلى "تأكيد التزام فرنسا الثابت" بدعم لبنان، الذي يمر بفترة تاريخية حرجة.
لقاء ثنائي بين ماكرون وميقاتي
وعبر ماكرون، خلال اجتماع ثنائي مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عن سعادته بزيارة لبنان في هذه المرحلة الجديدة"، وأعرب عن تقديره لما قدمه رئيس حكومة تصريف الأعمال طوال السنوات الماضية، لاسيما في ظل الظروف الصعبة التي مر بها لبنان بسبب الأزمة الأخيرة.
وتناول اللقاء الثنائي الأوضاع الراهنة وسبل دعم لبنان في المجالات كافة، خاصة الاقتصادية وإعادة الإعمار، زكذلك التحديات التي يواجهها لبنان. وأشار ميقاتي إلى أن ماكرون أبدى تفهما كبيرا للأوضاع واستعداده لمواصلة الدعم لحكومة لبنان الجديدة.
وتابع أن ماكرون وعد بمتابعة دعم لبنان من خلال تنظيم اجتماع مشابه للاجتماع الذي تم في باريس في أكتوبر الماضي لدعم الجيش اللبناني وإغاثة النازحين. وأبدى استعداد فرنسا لدعم لبنان عبر الصندوق الائتماني الذي تنوي الحكومة اللبنانية تأسيسه بالتعاون مع البنك الدولي لإعادة إعمار الجنوب، مع فتح المجال للمساهمة من جميع الأطراف.
وفيما يتعلق بالخروقات الإسرائيلية، أشار ميقاتي إلى أن هذه المسألة يتم متابعتها من قبل لجنة تطبيق القرار 1701، مع تقديم الشكاوى اللازمة، مع وعود من ماكرون بانتهاء هذه الخروقات بنهاية الشهر الحالي.
أما عن إمكانية ضمان انسحاب إسرائيل، فقال ميقاتي إن هذا الملف لم يُطرح مع ماكرون، مشيرًا إلى أن كلًا من فرنسا والولايات المتحدة يتابعان هذا الملف بشكل منفصل.
دعم لبنان
وتستمر زيارة ماكرون ليوم واحد، حيث من المقرر أن يلتقي مع الرئيس اللبناني ورئيس البرلمان، بالإضافة إلى رئيس الوزراء المكلف وممثلي مختلف القوى السياسية اللبنانية، ويسعى الرئيس الفرنسي من خلال هذه اللقاءات إلى تحديد كيفية دعم لبنان في تعزيز سيادته وضمان ازدهاره والحفاظ على وحدته في ظل التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها، حسبما ذكرت إذاعة فرنسا الدولية.
تعد هذه الزيارة الأولى لرئيس دولة أجنبي منذ انتخاب جوزيف عون رئيسًا للجمهورية في 9 يناير، وتعيين نواف سلام رئيسًا للوزراء في 13 يناير، حيث تأتي في وقت يشهد فيه لبنان فترة هدوء نسبية بعد الصراع العنيف الذي وقع بين حزب الله وإسرائيل في خريف 2023، والذي أسفر عن مقتل نحو 4000 شخص.

ومن جدير بالذكر أن ماكرون عادة ما يتأنى قبل اتخاذ قرارات بشأن الزيارات الخارجية، كما ظهر في تعامله مع الحرب في أوكرانيا بعد الغزو الروسي أو بعد عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023، لكن هذه المرة، لم يتردد في زيارة لبنان بعد عشرة أيام فقط من انتخاب رئيس جديد، وذلك في وقت يشهد فيه لبنان فترة هدوء نسبي بعد العنف الذي شهدته البلاد.
ويضع الرئيس الفرنسي على رأس أولوياته، تعزيز الهدنة الهشة التي تم التوصل إليها بين الطرفين في 27 نوفمبر، والتي لا تزال تتعرض لانتهاكات يومية من قبل الجيش الإسرائيلي الذي لم يُنهي بعد انسحابه من بعض المناطق الجنوبية للبنان.
كما يسعى ماكرون خلال زيارته إلى تقديم الدعم لتشكيل حكومة لبنانية جديدة "في أقرب وقت ممكن"، ومن المتوقع أن يعمل ماكرون على تهدئة المخاوف لدى الأحزاب الشيعية التي تتردد في المشاركة في إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، بسبب ما يعتبرونه "كمينًا سياسيًا" أدى إلى صعود نواف سلام إلى منصب رئيس الوزراء، دون رغبتهم.
ومن جانبها، أكدت باريس أن نجاح الحكومة الجديدة يعتمد على قدرتها على "جمع القوى المختلفة" وقيادة الإصلاحات الأساسية لإعادة إعمار البلاد.

إخفاقات واضطرابات
وتعتبر هذه الزيارة جزءًا من محاولة فرنسا للمساهمة في عملية إعادة الاستقرار السياسي في لبنان، خاصة في ضوء التغيرات الإقليمية التي أعقبت الحرب الإسرائيلية على حزب الله، وكذلك التطورات في سوريا. ويواجه لبنان أيضا اضطرابات اقتصادية حادة، تفاقمت بسبب سنوات من الجمود السياسي.
وكان ماكرون صريحا بشأن إخفاقات الطبقة السياسية في لبنان، وحملها مسؤولية الانهيار المالي للبلاد.
ومنذ الأزمة الاقتصادية في عام 2019، ضغط من أجل إجراء إصلاحات لمعالجة الفساد وسوء الإدارة. وعلى الرغم من انتقاداته، كرر ماكرون دعم فرنسا للحكومة الجديدة، مؤكدا على أهمية الثقة الدولية في تعافي لبنان.