عاجل

في حضرة الإمام.. مسجد الشافعي عمق روحي وتاريخ معماري فريد

ضريح الإمام الشافعي
ضريح الإمام الشافعي

في قلب القاهرة التاريخية، وعلى أطراف حيّ القرافة الكبير، يقف مسجد وضريح الإمام الشافعي  شاهدًا على عمق الحضارة الإسلامية وروحها العلمية. لا يُعدّ هذا المعلم مجرد ضريح لإمامٍ من أعظم أئمة الفقه، بل هو تجسيد حيّ لتحولات العمارة الإسلامية في مصر عبر ثمانية قرون، ومركز روحي يتردد صداه من شرق آسيا حتى أقصى جنوب أفريقيا.

 موقع لا يشبه غيره

يقع المسجد في منطقة التُّربة، في حي الخليفة، بجوارالسيدة نفيسة وعدد من الأولياء والصالحين، على بعد خطوات من "عين الصيرة" وبالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي,و يطل المبنى بهيبته من بين شواهد القبور، ليعلن عن وجود مَعلم لا يشبه غيره في عبقه، ولا في رمزيته.

ضريح الإمام الشافعي
ضريح الإمام الشافعي

 الإمام الشافعي العالم والمصلح والإنسان

هو محمد بن إدريس الشافعي وُلِد في غزة عام 150 هـ، وتوفي في القاهرة عام 204 هـ. هو ثالث الأئمة الأربعة، ومؤسس المذهب الشافعي الذي انتشر في أنحاء واسعة من العالم الإسلامي، منها مصر، واليمن، وبلاد الشام، وإندونيسيا، وشرق أفريقيا.

اختار الشافعي أن يمضي سنواته الأخيرة في مصر، حيث ألّف أهم كتبه، وأسس قواعد مذهبه. وبعد وفاته، دُفن في الموقع الحالي، الذي سرعان ما تحوّل إلى مقصد للزوار، والعلماء، وطلاب الفقه.

الإمام الشافعي
الإمام الشافعي

من تربة صغيرة إلى قبة عظيمة

في بدايته، كان قبر الإمام الشافعي موضعًا بسيطًا محاطًا بسياج من الأحجار. لكن مع بداية القرن السادس الهجري، أمر السلطان الكامل الأيوبي، ابن أخ صلاح الدين، ببناء ضريح فخم للإمام عام 608 هـ (1211 م).

أهم ما يميّز هذا البناء هو القبة الخشبية العملاقة، التي تُعد من أضخم القباب المصنوعة من الخشب في العالم الإسلامي، بارتفاع يصل إلى 33 مترًا، مزينة من الداخل بنقوش وزخارف نباتية مذهبة، تُمثل قمة ما وصلت إليه الفنون الإسلامية في العصر الأيوبي.

أما تابوت الإمام ، فهو تحفة فنية نادرة، نُقش عليه اسم الإمام وآيات قرآنية، صُنع من خشب الساج النادر، ويُرجّح أنه من أعمال الفنانين الحرفيين في العصر الفاطمي، ثم جُدد لاحقًا في العصر المملوكي.

الإمام الشافعي
الإمام الشافعي

صرح ديني ومعماري متعدد الطبقات

بني المسجد على مراحل متعاقبة، جمعت بين عناصر الطراز الأيوبي ز المملوكي والعثماني يتميز المسجد بمحرابه الرخامي المزخرف، ومنبر خشبي دقيق الصنع، ونوافذ مشبكة بزجاج ملوّن.

أهم عناصرالبناء

القبة الضخمة  التي تغطي الضريح.

الإيوان المطل على القبر، مزخرف بآيات قرآنية بخطوط كوفية.

المدخل الرئيسي المحاط بزخارف هندسية ونقوش حجرية دقيقة.

الفسقية (نافورة الماء) وسط ساحة المسجد، المستخدمة في الوضوء.

عمليات الترميم

عانى المسجد والضريح، كغيره من آثار القاهرة الإسلامية، من فترات إهمال طويلة، لا سيما في القرنين الـ18 والـ19. ومع دخول القرن العشرين، بدأت محاولات ترميم جزئية، لكنها لم تراعِ المعايير الأثرية الدقيقة.

وفي السنوات الأخيرة، بدأت وزارة السياحة والآثار المصرية، بالتعاون مع مؤسسات تراثية دولية، في مشروع ترميم شامل  للمسجد والضريح، شمل:

ترميم القبة وتدعيمها ضد الرطوبة.

إصلاح العناصر الخشبية والزخارف الداخلية.

تأهيل الموقع لاستقبال الزوّار والسياح.

إدراج المسجد ضمن خريطة المزارات السياحية والدينية.

بين الزهد والجلال

عند دخولك المسجد، يلفّك صمت مهيب، لا يُكسره سوى صوت خافت للقرآن يتردد من أحد الأركان، حيث يجلس أحد الزوّار متأملًا أمام ضريح الإمام، ويداه مرفوعتان بالدعاء.

الزائرون من كل أنحاء العالم، لا سيما من إندونيسيا وماليزيا وتركيا واليمن، يحرصون على زيارة الضريح، لما يمثّله الإمام الشافعي من رمز ديني وروحي.

الفقه والعلم 

مسجد وضريح الإمام الشافعي ليس فقط مزارًا دينيًا، بل هو متحف مفتوح لفنون العمارة الإسلامية، وكتابٌ حجريّ يروي قصة الفقه والعلم في الإسلام. هو محطة لكل من يبحث عن السكينة، ولكل دارسٍ لتاريخ الحضارة الإسلامية.

وفي زمنٍ يتسارع فيه النسيان، يبقى الشافعي حاضرًا، بصوته، وفكره، وأثره، في قلب القاهرة.

تم نسخ الرابط