عاجل

السويس تفقد معلمًا نادرًا: ضياع اللوحة التاريخية لبيت بطرس كساب تحت الأنقاض

عملية الهدم
عملية الهدم

لا تزال واقعة هدم بيت بطرس كساب التاريخي بمحافظة السويس تثير حالة من الغضب والاستياء في الأوساط الثقافية والمجتمعية، وسط مطالبات متكررة بفتح تحقيق حول ملابسات القرار، لما يحمله المبنى من قيمة تاريخية، رغم عدم تسجيله رسميًا كأثر أو مبنى ذي طراز معماري مميز.

منزل يعود إلى عهد محمد علي 

المنزل الذي يقع على شاطئ الخور، بالقرب من مبنى «المساجيري»، أُنشئ في عهد محمد علي باشا وكان مملوكًا لـ«بطرس كساب»، أحد المسؤولين عن جمع الضرائب على تجارة الخط البحري بين مصر وبلاد الهند. ويُعد من أقدم البيوت في السويس، حيث نجا من العدوان الثلاثي، وصمد أمام الحروب، لكن لم يصمد أمام الإهمال والقرارات الإدارية، حتى جرى هدمه مؤخرًا.

لوحة رخامية عمرها قرنان

قال الباحث في تاريخ السويس، أنور فتح الباب، إن أهم ما كان يجب الحفاظ عليه قبل تنفيذ قرار الهدم، هو اللوحة الرخامية التاريخية التي كانت تعلو واجهة المنزل، وتحمل اسم بطرس كساب، والتي يزيد عمرها عن 200 عام. وأكد أن هذه اللوحة تمثل قيمة تاريخية نادرة "لا تُقدر بمال"، لكنها سقطت وتحطمت تحت الأنقاض دون أن يتم توثيقها أو تسليمها لجهات مختصة.

وأضاف فتح الباب أن تنفيذ قرار الهدم تم دون إشراك أي متخصصين في الآثار أو الترميم، ما أدى إلى ضياع بعض الزخارف والمقتنيات التي كانت بداخل البيت، مؤكدًا أن الحفاظ على هذه العناصر كان يمكن أن يشكل جزءًا من الذاكرة البصرية للمدينة.

زيارات تاريخية

من جانبه، كشف الباحث في الآثار الإسلامية الدكتور مصطفى بركات أن المنزل ارتبط بعدد من الروايات التاريخية، أبرزها أن نابليون بونابرت مر بالمنطقة خلال حملته على مصر، وقد أقام لفترة قريبة من هذا المنزل. كما أشار إلى أن الإمبراطورة أوجيني، خلال زيارتها للسويس بمناسبة افتتاح قناة السويس، طلبت زيارة المنزل ذاته نظرًا لارتباطه بالجنرال الفرنسي الشهير.

وأوضح بركات أن المنزل كان شاهدًا على لقاء تاريخي للزعيم أحمد عرابي بعد عودته من المنفى، وهو ما يزيد من أهميته التاريخية، رغم غياب التوثيق الرسمي لذلك من قبل الجهات المعنية.

من الإهمال إلى التأميم ثم الهدم

وبحسب شهادات متطابقة، فإن البيت قد تعرض للإهمال لسنوات طويلة، بعدما جرى تأميمه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ليؤول إلى إحدى الشركات الملاحية، دون أن تُتخذ خطوات لترميمه أو الحفاظ عليه. وقد تمتع المنزل بطراز معماري مميز، يجمع بين الطابع الأوروبي والزخارف الشرقية، ما كان يجعله صالحًا كموقع تراثي أو حتى متحفًا لتاريخ المدينة.

استياء شعبي وانتقادات حادة

وقد عبّر عدد كبير من أهالي السويس ومثقفيها عن استيائهم الشديد من قرار الهدم، واعتبروا ما حدث "جريمة في حق الذاكرة التاريخية للمدينة". وارتفعت الأصوات المطالبة بتوثيق كل ما تبقى من المبنى، وإجراء تحقيق رسمي لمعرفة أسباب تجاهل الجهات المعنية لهذا الإرث التاريخي، خصوصًا في ظل حملات الدولة لحماية المباني التراثية.

وفي ضوء ما حدث، دعا عدد من المتخصصين إلى إعادة النظر في معايير تسجيل المباني التراثية، بحيث لا يقتصر الأمر على المباني المسجلة رسميًا كآثار، بل يمتد ليشمل تلك التي تحمل دلالات تاريخية أو ارتبطت بشخصيات بارزة أو أحداث وطنية، تفاديًا لتكرار مثل هذه الحوادث.

تم نسخ الرابط