لماذا ارتبطت العروسة والحصان بحلوى المولد؟.. حكاية مصرية عمرها ألف عام

مع اقتراب ذكرى المولد النبوي الشريف، تزين المحلات شوارع مصر بحلوى مدهشة الشكل والطعم، لكن يظل السؤال الذي يراود الذاكرة الجمعية: لماذا اختار المصريون تحديداً "العروسة" و"الحصان" ليشكلوا ويصنعوا حلوى المولد على هيئتهما ؟ .
تماثيل ضخمة من السكر على هيئة فرسان
المؤرخ ابن إياس في كتابه بدائع الزهور في وقائع الدهور ذكر أن السلاطين كانوا يصنعون تماثيل ضخمة من السكر على هيئة فرسان وعرائس لتزيين موائد الاحتفال، ثم تُوزع كهدايا. المقريزي بدوره في المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (ج1، ص. 490) يصف بدقة كيف أن الفاطميين والمماليك جعلوا من "عرائس السكر" جزءاً من البذخ السلطاني لإبهار العامة. ومع مرور الوقت، انتقلت هذه الفكرة من القصور إلى الأسواق الشعبية، لكن بأحجام أصغر وبأشكال أبسط، لتبقى العروسة رمزاً للجمال والبهجة،والحصان رمزاً للفروسية والقوة.
الحصان رمز للشجاعة
ولأن المولد كان دائماً مناسبة للفرح الشخصي، صار لكل طفل نصيبه. البنات يتلقين العروسة رمزاً للأنوثة والحياة الزوجية المنتظرة، والأولاد يتلقون الحصان رمزاً للشجاعة والمغامرة. وهذا ما لاحظه إدوارد وليم لين في كتابه عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم (ص. 272) حين تحدث عن كيف ارتبطت الهدايا الحلوة بالبهجة الأسرية في المناسبات.
الرموز العاطفية
وقال الباحث الصوفي مصطفى زايد :المصريون لا يعيشون على المظاهر فقط، بل على الرموز العاطفية، ومن هنا ظهرت رواية شعبية ساحرة تقول إن العروسة ترمز إلى السيدة زينب بنت الإمام علي، بينما يرمز الحصان إلى سيد الشهداء الحسين (رضي الله عنهما). ورغم أن هذا التفسير لا نجده في كتب التاريخ القديمة بشكل مباشر، إلا أن التراث الشعبي جمعه وربطه بارتباط المصريين الوثيق بآل البيت وزيارة أضرحتهم في مواسم المولد (انظر: عبد الوهاب عزام، العادات والتقاليد المصرية، ص. 153).
وهناك سبب آخر أكثر واقعية، سجله باحثو الأنثروبولوجيا: سهولة التشكيل. فالعراييسي (صانع الحلوى) كان يحتاج إلى قوالب خشبية سريعة الاستخدام، وشكل العروسة ذات التنورة الواسعة والحصان بأرجله الأربع كان مثالياً للإنتاج الكثيف في زمن قصير. وهذا ما يفسر استمرار الشكلين عبر القرون دون تغير كبير.
في النهاية، ليست العروسة والحصان مجرد حلوى تُؤكل. إنهما ذاكرة مصرية متراكمة، تختزل البذخ السلطاني في قصور الفاطميين، والبهجة العائلية في أحياء القاهرة القديمة، والرمزية الشعبية في حب آل البيت. إنها قصة انتقلت من أيدي النخبة إلى قلوب البسطاء، وبقيت حتى يومنا هذا علامة على فرحة المولد ودفء الروح المصرية.