اختراق أمني كارثي: كيف استهدفت إسرائيل قادة إيران عبر هواتف حراسهم الشخصيين؟

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير موسّع، تفاصيل اختراق أمني خطير مكّن إسرائيل من استهداف كبار قادة إيران عبر تتبّع هواتف حراسهم الشخصيين. ووفقًا لما ورد في التقرير، فقد شهد اليوم الرابع من الحرب التي اندلعت هذا الربيع بين تل أبيب وطهران اجتماعًا طارئًا لقادة الصف الأول في إيران، عُقد داخل مخبأ سري محصّن تحت الأرض بعمق 30 مترًا أسفل جبل غربي العاصمة طهران.
جاء الاجتماع في ظل قصف إسرائيلي عنيف وممنهج استهدف منشآت عسكرية، ومقرات حكومية، ومواقع نووية، وأسفر عن سقوط عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين. ورغم السرية التامة والتدابير المشددة، لم تمضِ دقائق على بدء الاجتماع حتى أسقطت الطائرات الإسرائيلية ست قنابل موجهة فوق المخبأ، مستهدفة مداخله ومخارجه. ورغم نجاتهم، خرج المسؤولون ليجدوا بعض الحراس الشخصيين قتلى جراء الانفجارات.
اختراق إسرائيلي لهواتف الحراس الشخصيين
كشف التحقيق لاحقًا أن الهجوم كان ممكنًا بفضل اختراق إسرائيلي لهواتف الحراس الشخصيين المرافقين للمسؤولين، الذين تركوا هواتفهم خارج المخبأ، بينما بقيت أجهزة التتبع مفعّلة. هذه الثغرة الأمنية غير المعلنة سابقًا كانت جزءًا من حملة استخباراتية واسعة شنتها إسرائيل لاختراق الطبقة الأمنية العليا في إيران، باستخدام أخطاء بشرية وتقنيات تكنولوجية متقدمة.
الاستخدام العشوائي للهواتف الذكية
بحسب مسؤولين من إيران وإسرائيل، فإن الاستخدام العشوائي للهواتف الذكية من قبل الحراس والمرافقين، وحتى منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، شكلت مصدرًا رئيسيًا للمعلومات التي استخدمتها إسرائيل لتتبع العلماء والقادة العسكريين وتحديد مواقعهم بدقة.
من جهته، يقول ساسان كريمي، مسؤول استراتيجي سابق في الحكومة الإيرانية: "كبار القادة لم يكونوا يحملون هواتف، لكن سائقيهم وحراسهم كانوا يحملونها، وهذا ما سهّل تتبعهم."
عملية اغتيال منهجية.. من استهداف العلماء إلى قادة الحرس
منذ نهاية 2022، كانت إسرائيل تُعد لعملية اغتيال واسعة ضد العلماء النوويين الإيرانيين. بدأت الخطة بقائمة من 400 اسم، ثم خُفّضت إلى 100 عالم، بناء على معلومات حصل عليها الموساد من أرشيف نووي مسروق عام 2018. وفي نهاية المطاف، أعلنت إيران أن 13 عالمًا نوويًا قد تم اغتيالهم خلال الأسبوع الأول من الحرب.
في الوقت ذاته، كانت إسرائيل تطبّق خطة موازية أطلقت عليها اسم "الزفاف الأحمر" (نسبة إلى مشهد دموي في مسلسل Game of Thrones)، هدفها اغتيال كبار قادة الحرس الثوري، وعلى رأسهم اللواء أمير علي حاجي زاده، قائد القوات الجوية للحرس، الذي قُتل في ضربة جوية دقيقة.

اجتماع 16 يونيو
في الاجتماع الذي جرى في 16 يونيو، شارك فيه الرئيس مسعود بزشكيان، ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، ورئيس القضاء غلام حسين محسني إيجئي، إلى جانب وزراء الدفاع والداخلية والاستخبارات وقادة عسكريين جدد. ورغم الإجراءات الأمنية، استطاعت إسرائيل تحديد الموقع، بسبب هاتف محمول مخالف للقواعد، كان يحمله أحد الحراس.
كما أدى الهجوم إلى تدمير القاعة بالكامل، لكن بزشكيان قاد عملية إنقاذ يدوية، حيث حفر بيديه بين الأنقاض حتى شق طريقًا لخروج الجميع. أصيب بجروح طفيفة، ونُقل وزير الداخلية للمستشفى بسبب مشاكل في التنفس.
استخبارات رقمية متقدمة وتفوق تقني واضح
بدوره، صرّح قائد الحرس الجديد، اللواء أحمد وحيدي، أن العدو يعتمد على "التكنولوجيا، الأقمار الصناعية، والبيانات الإلكترونية" لتحديد مواقع الأشخاص، مضيفًا أن "العدو قادر على رصد الصور، الأصوات، والمواقع بدقة متناهية".
وقال حمزة صفوي، محلل سياسي وعسكري ونجل المستشار العسكري الأعلى للمرشد، إن "التفوق التكنولوجي الإسرائيلي يمثل تهديدًا وجوديًا"، مشددًا على أن إيران بحاجة إلى "مراجعة شاملة للبنية الأمنية والاستخباراتية".
إعادة هيكلة أمنية
في أعقاب الهجمات، تم فرض حظر شامل على استخدام الهواتف الذكية داخل الدوائر الأمنية العليا. بات يُسمح فقط لقادة فرق الحماية، الذين لا يرافقون المسؤولين، بحمل الهواتف، بينما يستخدم الحراس أجهزة اتصال لاسلكي فقط. ومع ذلك، أقر مسؤولون بأن أحد الحراس خالف هذه التعليمات، ما أدى إلى الضربة الجوية الدقيقة في 16 يونيو.
وقد أعلنت إيران لاحقًا أنها أعدمت عالمًا نوويًا يدعى روزبه فادي بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، واعتقلت عشرات من أفراد الجيش والاستخبارات والحكومة، بعضهم من كبار المسؤولين، بتهم مماثلة. كما قالت إنها أحبطت 23 محاولة اغتيال إسرائيلية و13 مؤامرة كبرى خلال الشهور السابقة للحرب، واعتقلت 21 شخصًا متهمين بالتجسس لصالح الموساد.
سباق الجواسيس
في المقابل، كثّفت إيران منذ أكتوبر 2023 جهودها لتجنيد جواسيس داخل إسرائيل، إذ أعلن جهاز الشاباك الإسرائيلي أنه اعتقل عشرات الإسرائيليين بتهمة التخابر مع طهران، وتقديم معلومات عن مواقع محتملة لضربات إيرانية. وخلصت الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن عمليات التخريب داخل المنشآت النووية الإيرانية لم تعد كافية، وأن السبيل الأكثر فعالية هو استهداف العقول العلمية مباشرة.
وفي عام 2021، تحوّل التركيز إلى ما يُعرف بـ"مجموعة السلاح" فريق من العلماء يعتقد أنهم يعملون على تصميم الجهاز الذي يُفجّر اليورانيوم المخصّب. هؤلاء أصبحوا الهدف الرئيسي لما عُرف لاحقًا بـ "عملية نارنيا".