لم يعرف الأهلي في تاريخه الطويل رئيسًا يختزل النادي العريق في شخصه كما يفعل محمود الخطيب اليوم. الرجل الذي عشقته الجماهير لاعبًا أسطوريًا، تحوّل إلى ديكتاتور يُدير القلعة الحمراء بعقلية الحاكم الفرد، لا بعقلية المؤسسة التي صنعت أمجاد الأهلي.
الخطيب لم يترك مقعدًا فارغًا لغيره. صادر القرار، صادر الكلمة، صادر حتى صورة المشهد. كل شيء يبدأ وينتهي عنده. وفي زمن الإدارة الحديثة التي تُبنى على التخطيط الجماعي، أصرّ على أن يكون “بيبو” وحده، متكئًا على رصيد كاريزما الماضي، متجاهلًا أن الإدارة ليست أهدافًا في الشباك، بل منظومات تنجح فقط حين تُدار بالعقل لا بالأسطورة.
النتيجة كانت واضحة ؛ تخبط إداري، قرارات متضاربة، وتراجع هيبة الأهلي التي كانت يومًا مضرب المثل. الأهلي الذي كان مدرسة النظام صار ساحة الارتباك، والأهلي الذي كان يُدرّس في الإدارة الرياضية صار أسير نزوات رجل لا يقبل أن يشاركه أحد الضوء.
الخطيب لم يكتفِ بأن يُحكم قبضته على مجلس الإدارة، بل مدّ يده إلى فريق الكرة ذاته، يتدخل ويقرر ويحتكر، وكأن الأهلي فريقه الخاص، لا مؤسسة جماهيرية عمرها أكثر من مائة عام. هكذا ضاعت البوصلة، وضاعت الهيبة، وضاعت معهما الثقة في أن القلعة الحمراء تُدار كما يجب.
ما يريده الخطيب واضح ؛ أن يُخلّد اسمه رئيسًا للأهلي إلى الأبد. أن يبقى فوق المنصة وحده، بينما يتوارى الآخرون في الظلال. هو لا يرى في الأهلي إلا نفسه، ولا يرى في نفسه إلا الزعيم الأبدي. لكنها أوهام السلطة التي لا تعيش طويلًا، لأن الجماهير التي صنعت الأسطورة قادرة أيضًا على أن تسقطها حين تكتشف أن المجد الكروي شيء، والإدارة الرشيدة شيء آخر.
الخطيب اليوم لا يُدير الأهلي، بل يخنقه. يُقزّم مؤسسته الكبرى إلى مساحة صورته الشخصية. يحكم بقبضة الفرد، ويُقصي الكفاءات، ويُحوّل النادي من كيان مؤسسي إلى مملكة خاصة. هذه ليست إدارة، بل استبداد بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
لقد خسر الأهلي في عهده أكثر مما ربح. خسر الانضباط، خسر الثقة، خسر صورته التي طالما كانت نموذجًا للجدية والصرامة. وما تبقى من إنجازات هنا وهناك لا يكفي لتجميل وجه إدارة تآكلت من الداخل.
إنني أقولها بوضوح ؛ حان وقت الرحيل. محمود الخطيب لم يعد الرجل المناسب للأهلي. بقاؤه لم يعد إضافة بل عبئًا. ورحيله اليوم أفضل من الغد، لأن استمرار هذا النهج لن يقود إلا إلى مزيد من التراجع والانكسار.
الخطيب كان أسطورة في الملعب، لكن في الإدارة هو ديكتاتور صغير، حوّل الكيان الأكبر في الشرق الأوسط إلى مجرد ظل لصورته. ولن يرحمه التاريخ حين يُكتب أن الأهلي ضاعت هيبته في عهد بيبو.
الأهلي أكبر من الأفراد، وأكبر من ديكتاتور يرفض أن يغادر المشهد. والأهلي سيبقى، لكن محمود الخطيب آن له أن يرحل.