ماهر صافي: فلسطين اختيار استراتيجي للمشروع الصهيوني ليس دينيًا فقط |فيديو

قدّم الدكتور ماهر صافي، المحلل السياسي الفلسطيني، قراءة تحليلية شاملة لأسباب اختيار الحركة الصهيونية لفلسطين كأرض استيطان رئيسية، موضحًا أن المسألة لم تكن مجرد استجابة لعواطف دينية أو استغلال لنصوص توراتية، بل كانت نتاج عوامل سياسية واقتصادية وجغرافية متشابكة، جعلت من فلسطين الهدف المثالي للمشروع الصهيوني منذ أواخر القرن التاسع عشر.
موقع استراتيجي فريد
يرى ماهر صافي، في حوار معمق ضمن برنامج "مساء جديد" على قناة المحور الفضائية، أن أحد أبرز الأسباب التي دفعت الصهاينة لاختيار فلسطين هو البعد الاقتصادي المرتبط بالثروات الطبيعية، فقد بدأت بريطانيا في نهاية القرن التاسع عشر تدرك أن هذه المنطقة تعوم على بحار من الثروات، وعلى رأسها البترول الذي تزايد اكتشافه لاحقاً، إلى جانب الغاز والمعادن، هذا الوعي المبكر جعل القوى الاستعمارية تنظر إلى المنطقة باعتبارها نقطة ارتكاز اقتصادية لا يمكن تجاهلها.
وتابع ماهر صافي: "إلى جانب الثروات، تمتلك فلسطين موقعاً جغرافياً بالغ الأهمية، إذ تشرف على البحر المتوسط من جهة، وعلى البحر الأحمر والخليج من جهة أخرى، إضافة إلى قربها من قناة السويس التي مثلت ولا تزال شرياناً حيوياً للتجارة العالمية. وبذلك، تحولت فلسطين إلى "مسمار جحا" في قلب المنطقة، يُمكّن القوى الكبرى من السيطرة على طرق التجارة والطاقة".
القومية وصعود الوعي السياسي
مشيرا إلى أن اختيار فلسطين جاء أيضاً في ظل بداية تشكّل الوعي القومي العربي خلال القرن التاسع عشر، حيث ظهرت مؤلفات النهضة العربية على يد مفكرين مثل اليازجي والبستاني، وانتشرت الدعوات لتوحيد الأمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج، هذا الصعود القومي كان يُنذر بإمكانية تكوين كيان عربي موحد يمتلك الثروة والموقع الاستراتيجي، وهو ما دفع القوى الاستعمارية إلى التفكير في زرع كيان غريب في قلب هذه الأمة لمنع توحّدها.
وبذلك، كان المشروع الصهيوني في فلسطين يخدم أهدافاً مزدوجة: استيطان اليهود من جهة، وقطع الطريق أمام نشوء دولة عربية قوية وموحدة من جهة أخرى، وهو ما يفسر الدعم البريطاني اللامحدود للمشروع منذ بداياته.
العواطف للدوافع سياسية
وواصل ماهر صافي: "رغم أن الدافع الديني لم يكن وحده العامل الحاسم، إلا أن الصهاينة وظفوا النصوص التوراتية بذكاء لاستثارة عواطف اليهود حول العالم. فقد جرى التركيز على فكرة "شعب الله المختار" والأرض الموعودة التي "تفيض لبناً وعسلاً"، وهي جملة وردت في التوراة وتم ترديدها عبر الأجيال.
يوضح "صافي" أن هذه الاستراتيجية شبيهة بما تمارسه جماعات سياسية متطرفة أخرى؛ إذ يتم استغلال الدين لاستدرار التعاطف ثم تمرير مشاريع سياسية واقتصادية خفية.
وهو ما فعله زعماء الحركة الصهيونية عبر تأسيس تيارات متعددة: تيار سياسي قاده تيدور هرتزل، تيار عملي ركّز على التهجير والاستيطان، وتيار روحي لعب على العاطفة الدينية لاستقطاب اليهود في روسيا وبولندا والدول العربية.
إعلان الدولة العبرية
وواصل ماهر صافي: "بدأ تنفيذ هذا المخطط بشكل عملي مع موجات الهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين، وأبرزها الهجرة الخامسة التي انطلقت عام 1882، وهو العام ذاته الذي شهد احتلال بريطانيا لمصر، ما يعكس ترابطاً واضحاً بين الاستعمار الغربي والمشروع الصهيوني."
وأوضح ماهر صافي: "تتابعت الهجرات في المراحل اللاحقة حتى إعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، الذي مثّل الترجمة السياسية للمشروع الديني والاقتصادي والاستيطاني الذي بُني عبر عقود من التخطيط. ولم يكن غريباً أن يُستخدم خطاب ديني مشابه للذي استخدم في الحملات الصليبية، حين قيل للمستعمرين: "اذهبوا إلى فلسطين فإنها الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً".

الصراع الديني المعاصر
يرى الدكتور ماهر صافي أن ما يجري اليوم من تصعيد في غزة والضفة والقدس يُظهر كيف تحوّل المشروع إلى حرب دينية وجودية بامتياز، خاصة مع تحالف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع التيارات الدينية المتطرفة، فهذا التحالف بات السبيل الوحيد لبقاء نتنياهو في السلطة، حيث يروج لفكرة "الحرب الدينية" للحفاظ على دعم اليمين المتشدد، رغم أن الأبعاد الأصلية للمشروع كانت سياسية واقتصادية بحتة.
من خلال هذا التحليل، يتضح أن اختيار فلسطين لم يكن قراراً عشوائياً أو محض صدفة تاريخية، بل جاء نتيجة مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والسياسية والدينية، لقد أدرك الاستعمار البريطاني، ومن بعده الحركة الصهيونية، أن هذه الأرض تمثل مفتاح السيطرة على المنطقة العربية، بثرواتها وموقعها وممراتها الحيوية.