ما حكم الاستعانة على السياقة بالمخدرات؟.. الإفتاء توضح

ورد سؤال إلى دار الإفتاء يقول : ما حكم الاستعانة على السياقة بالمخدرات؟ فأنا أعمل سائق شاحنة (تريلا) وأشاهد بعض زملاء المهنة يتعاطون أنواعًا من المخدرات، وعند مناقشتهم وجدتهم يبررون ذلك بأنها تعينهم على القيادة وتقلل الشعور لديهم بالإرهاق نتيجة المواصلة في العمل لمدد كبيرة ولمسافات طويلة، فأرجو بيان الحكم الشرعي في ذلك وفي هذا السياق أكدت دار الإفتاء المصرية أنه يحرم شرعًا تعاطي المخدرات في أي حال، سواء ارتبط الأمر بالقيادة أو بغيرها، غير أن خطورة الذنب تتضاعف عند تناولها أثناء القيادة لما يترتب عليه من إثم بالغ وضرر جسيم وجرم عظيم.
وتؤكد دار الإفتاء المصرية على السائقين ضرورة ألا يتولى أحدهم قيادة مركبته إلا وهو بكامل وعيه ويقظته وقدرته على التركيز والإدراك، حتى يلتزم بقوانين المرور وضوابط السلامة والأمان المقررة، مع مراعاة ضبط السرعة المناسبة وترك المسافات الكافية بينه وبين المركبات الأخرى
نعمة العقل وضرورة الحفاظ عليه
من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان نعمة العقل، فهو الوسيلة التي بها يدرك ويميز ويُحاسب على أفعاله. لذلك جاءت الشريعة الغراء بمجموعة من الأحكام التي تحفظ العقل من كل ما قد يُضعفه أو يُعطّله أو يجعله مصدر أذى وفساد في المجتمع. ولهذا نهى الإسلام عن كل ما يؤدي إلى تغييب العقل أو إلقاء النفس في التهلكة، كما قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]. وقد أوضح العلامة الطاهر ابن عاشور أن هذا النهي يشمل كل تصرف يؤدي عمدًا إلى الهلاك أو الضرر.
حقيقة المخدرات وأثرها على الإنسان
المخدرات في اللغة مأخوذة من “الخَدَر” أي الفتور والكسل والضعف. وفي الاصطلاح هي مواد تسبب فقدان الوعي بدرجات متفاوتة. ووفقًا للقانون المصري تُعتبر المخدرات كل مادة طبيعية أو مصنعة مدرجة في جداول قانون مكافحة المخدرات.
ولا شك أن المخدرات تؤثر بشكل مباشر وخطير على العقل والجسد؛ فهي تُضعف التفكير، وتُحدث اضطرابًا في الأعصاب، وتُسبب الكسل والخمول. وقد أثبتت الدراسات الحديثة أنها تُلحق بالمخ متغيرات ضارة أشد من الخمر، كما تسبب أمراضًا عضوية ونفسية خطيرة، وتزيد من احتمالية الحوادث المرورية بسبب ضعف الإدراك وتشوش الرؤية.
الأساس الشرعي لتحريم المخدرات
حرّمت الشريعة الإسلامية كل ما يُذهب العقل. فقد ورد في الحديث الشريف: «نهى رسول الله ﷺ عن كل مسكر ومفتر» (رواه أحمد وأبو داود). والمفتر هو ما يسبب فتور الجسد وضعفه. ولأن المخدرات تشترك مع المسكرات في تغييب العقل والإضرار به، كان حكمها الحرمة المطلقة.
وقد أوضح الفقهاء أن كل ما يغيّب العقل أو يضعفه يدخل في دائرة المحرمات، حتى لو لم يُحدث نشوة كالخمر. وما أثبته الطب الحديث من أضرار المخدرات يجعل تحريمها أمرًا مقطوعًا به، لأنها تُدمّر الإنسان والمجتمع على حد سواء.
موقف القانون المصري
لم يقتصر الأمر على التحريم الشرعي، بل إن القانون المصري شدّد العقوبات على متعاطي المخدرات. فقد نص القانون رقم 182 لسنة 1960 وتعديلاته على الحبس والغرامة لكل من ضُبط يتعاطى المواد المخدرة، مع تشديد العقوبة في حالة المواد شديدة الخطورة كالكوكايين والهيروين.
القيادة تحت تأثير المخدرات
القيادة أمانة ومسؤولية كبيرة، ولا يجوز أن يتولاها من هو تحت تأثير المخدر. فالمركبة آلة في يد السائق، وإذا غاب عقله أو ضعُف إدراكه تحولت إلى أداة قتل ودمار. ولهذا نص قانون المرور المصري على حظر قيادة أي مركبة تحت تأثير الخمر أو المخدر، مع عقوبات تشمل سحب الرخصة والحبس والغرامة، وتضاعف العقوبة عند تكرار المخالفة.
الرد على شبهة “المخدرات تساعد على القيادة”
بعض السائقين يزعمون أن المخدرات تُعينهم على تحمل مشقة القيادة أو تقلل من الشعور بالإرهاق. وهذا قول باطل، لأنه يخفي وراءه أضرارًا جسيمة، وهو في حقيقته تزيين من الشيطان. فلا يجوز دفع ضرر وهمي بضرر محقق، خصوصًا وأن الله لم يجعل شفاء الإنسان فيما حرم عليه. فالطريق الصحيح هو اللجوء إلى الأطباء لا إلى المخدرات