عاجل

فجأة، انتشر الخبر بين العاملين في مجال الإعلام: المخرج هاني المهدي رحل عن دنيانا.
رحيل صادم، ترك في القلب غصّة، خاصة لمن عرفوا هاني عن قرب.
ولمن لا يعرفه، فقد كان إنسانًا قبل أن يكون مخرجًا.. ذوقًا وأدبًا ورُقيًّا في التعامل، هادئًا، مُحترمًا، يترك في النفس أثرًا طيبًا حتى بعد دقائق قليلة من اللقاء.
تشرفت بالعمل معه فترة وجيزة، لكنها كانت كافية لأدرك كم كان مختلفًا ونبيلًا.

وفي لحظة لا تتجاوز دقائق – ربما كانت من صنع الخيال أو من إشارات الروح – شعرت كأنني أحاوره، كأن القدر سمح لي بلقاء قصير معه بعد الرحيل.

رأيته يبتسم ويقول:
– “مافيش حاجة تستاهل.. والغرض فيها مرض.”
– “بنتي.. كنت لسه من أيام قليلة بحتفل بعيد ميلادها. كنت فاكر إني هشوفها تكبر قدام عيني، لكن مكتوبها يكمّل من غيري. قول لها إني بحبها، وإن ربنا أحن عليها مني ومن الدنيا كلها.

نظرت له وقلت:
– “معاك حق يا هاني، لكن الحقيقة إن الدنيا بتسحبنا.. بناخدها صراعات ومصالح، وننسى.”

هزّ رأسه بهدوء وقال:
– “ده كله وهم في وهم. اللي بتفتكروا إنه باقي، هيتبخر في ثانية.”

ترددت لحظة، ثم قلت له بألم:
– “المشكلة يا هاني إن كلامك هو الصح، لكن الواقع إننا مش قادرين نصدق إن في موت.. رغم إن الموت هو الحقيقة الوحيدة.”

سكت هاني قليلًا، ثم ابتسم ابتسامة مُحبّة كعادته، وكأنه يودّعنا جميعًا برسالة مختصرة:

“ما تعملش حساب لحاجة.. في لحظة كل الحسابات بتقع، والغرض في الدنيا مرض.”

رحم الله هاني المهدي، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله الصبر والسلوان، وجعل من رحيله يقظة لنا من وهم الدنيا، ولنا جميعًا حسن الخاتمة.

تم نسخ الرابط