تكتيك لا انسحاب.. كيف تعيد أمريكا تمركزها العسكري في العراق؟

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية بشكل مفاجئ سحب قواتها من قاعدتي "عين الأسد" و"فيكتوريا" في العراق، مع إعادة نشرها في أربيل عاصمة إقليم كردستان، في خطوة تحمل أبعادًا تكتيكية تتجاوز ظاهرها، وفقًا لما أورده موقع Geopolitical Monitor.
ووفقًا للموقع، فإن هذه الخطوة ليست انسحابًا فعليًا بقدر ما هي إعادة تموضع محسوبة تهدف إلى الحفاظ على النفوذ الأمريكي في المنطقة مع تقليل التعرض للمخاطر الأمنية والسياسية، وذلك ضمن سياق إقليمي متوتر وتغيرات في ميزان القوى.
ثلاثة أهداف وراء إعادة الانتشار
بحسب التقرير، تسعى الولايات المتحدة من خلال هذه الخطوة إلى تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية:
حماية القوات الأمريكية: تأتي إعادة التموضع ردًا على تصاعد الهجمات ضد القواعد الأمريكية، خاصة عين الأسد وفيكتوريا، والتي تنفذها ميليشيات مدعومة من إيران باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ.
وهذه الهجمات لا تهدد الجنود فحسب، بل تخلق أزمات سياسية مع الحكومة العراقية، وبنقل القوات إلى أربيل، حيث البيئة الأمنية أكثر استقرارًا والدعم المحلي أقوى، تقلل واشنطن من حجم المخاطر.
تحجيم الرواية الدعائية لإيران:استمرار وجود القوات الأمريكية في مناطق تشهد توترًا يعزز السردية الإيرانية حول "مقاومة الاحتلال"، في حين أن سحب القوات من هذه المواقع يضعف الخطاب الإيراني دون أن يؤثر فعليًا على القدرات العملياتية الأمريكية.
إدارة التوازنات السياسية في العراق: يواجه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، ضغوطًا داخلية متزايدة للمطالبة بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي.
ومن خلال إعادة التموضع، تمنح واشنطن لبغداد فرصة لإظهار "إنجاز رمزي" دون المساس فعليًا بالحضور الأمريكي أو تقليص نفوذه، كما أن وجود القوات في أربيل يُنظر إليه محليًا على أنه أقل استفزازًا.
لماذا أربيل الآن؟
اختيار أربيل كموقع بديل ليس صدفة، بل يُعد قرارًا استراتيجيًا مدروسًا، فالإقليم يتمتع باستقرار نسبي، وقوات البيشمركة تقدم دعمًا عسكريًا، كما أن حكومة الإقليم توفّر غطاءً سياسيًا متماسكًا.
جغرافيًا، تتيح أربيل مراقبة فعّالة لكل من سوريا، العراق، وإيران، كما أنها تُمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على قدرات استخباراتية ولوجستية متقدمة، مع تقليل الوجود الظاهر في المناطق الساخنة.
أما التوقيت، فيرتبط بعدة عوامل على النحو التالي:
- تصاعد الهجمات الإيرانية المدفوعة بوكلاء محليين.
- تراجع شرعية الوجود الأمريكي وسط احتجاجات وفصائل معارضة.
- الحاجة إلى تموضع أكثر مرونة وأقل تكلفة ميدانيًا وسياسيًا.
تأثير إقليمي أوسع
يمتد تأثير إعادة التموضع إلى خارج الحدود العراقية، إذ يُوفر الموقع الجديد منصة للولايات المتحدة لمواكبة التطورات في سوريا، أو الاستجابة لاحتمالات التصعيد مع إيران، خصوصًا في حال نشوب نزاع إسرائيلي-إيراني.
كما أن تعزيز الوجود في أربيل يُرسل رسائل ردع إلى أنقرة بشأن التحركات العسكرية ضد الأكراد، ويُظهر أن واشنطن تعتبر إقليم كردستان جزءًا من مصالحها الأمنية.
استراتيجية "الوجود الأخف"
يرى مراقبون أن واشنطن بدأت في اعتماد نموذج "الوجود الأخف"، الذي يقوم على تقليص الوجود العسكري المكلف والمباشر، مع الحفاظ على القدرة على الردع وجمع المعلومات والتأثير الإقليمي.
وبينما قد تصور إيران هذه الخطوة كـ"انسحاب أمريكي"، إلا أن الواقع يشير إلى تعزيز أمريكي في مواقع أكثر استدامة وفعالية، دون الدخول في مواجهة مباشرة أو إثارة التوتر مع حكومة بغداد.